للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثل ذلك في الفرع، وهو سائر الخيارات، فمن فسخ ما اشتراه بنوع من أنواع الخيارات كان عليه إرجاع ما هو باق لديه من فوائده، وضمان قيمة ما استهلكه كما يقتضيه القياس الصحيح بالجامع الذي كررنا ذكره.

فإن قلت: لا عموم في حديث المصراة، حتى يستدل به على سائر أنواع الخيارات.

قلت: الأمر كذلك، ولم ندع أنه عام، بل قلنا: إنه حكم الأصل، فكان للفرع مثله، ولو كان الدليل عاما لم يحتج إلى القياس لشموله للفرع بنفسه من دون واسطة فيكون هذا الحكم الثابت في المصراة ثابتا في جميع الفروع، وهي سائر الخيارات إلا ما دل الدليل على أن لفوائده حكما غير حكم الأصل، وهو خيار العيب، فإن الشارع قد أثبت فيه أن الخراج بالضمان فيكون ذلك خاصا به، لأنه فرع من فروع الغرر، فلا يرد إليه ما هو مماثل له في الفرعية، بل يرد إلى الأصل الجامع، ويثبت له حكمه، ويكون ذلك الفرع الذي ورد في فوائده دليل يخصه خارجا عن حكم الأصل في مورد الدليل، لأن القياس حينئذ يكون مصادما للنص، وهو فاسد الاعتبار، ولا يوجب هذا الدليل الوارد في بعض تفاصيل فرع من الفروع أن يكون ذلك الفرع خارجا عن كونه فرعا في غير مورد الدليل، فتحرر من هذا أن الفوائد في كل نوع من أنواع الخيار بكون للبائع من غير فرق بين الأصلية والفرعية، فما كان منها باقيا رجع بعينه (١)، وما كان تالفا فقيمته.

والتقدير بالمدة من ثلاثة أيام أو غيرها يرجع المجتهد فيه إلى اجتهاده (٢).


(١) انظر: " المغني " (٦/ ٢١٧ - ٢٢٠).
(٢) قال ابن قدامة في " المغني " (٦/ ٢٢٠): قالوا: فهذه الثلاثة قدرها الشارع لمعرفة التصرية فإنها لا تعرف قبل مضيها؛ لأنها في اليوم الأول لبنها لبن التصرية، وفي الثاني يجوز أن يكون لبنها قد نقص، لتغير المكان واختلاف العلف، وكذلك في الثالث. فإذا مضت الثلاثة استبانت التصرية وثبت الخيار على الفور. ولا يثبت بعد انقضائها. وقال أبو الخطاب: عندي متى ثبتت التصرية، جاز له الرد، قبل الثلاثة وبعدها؛ لأنه تدليس يثبت الخيار، فملك الرد به إذا تبينه، كسائر التدليس. فعلى هذا يكون فائدة التقدير في الخبر بالثلاثة؛ لأن الظاهر أنه لا يحصل العلم إلا بها، فاعتبرها لحصول العلم ظاهرا، فإن حصل العلم بها، أو لم يحصل بها فالاعتبار به دونها، كما في سائر التدليس. وظاهر قول ابن أبي موسى أنه متى علم التصرية، ثبت له الخيار في الأيام الثلاثة إلى تمامها.
وهو قول ابن المنذر وأبي حامد من أصحاب الشافعي، وحكاه الشافعي نصا لظاهر حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه يقتضي ثبوت الخيار في الأيام الثلاثة كلها، وعلى قول القاضي لا يثبت الخيار في شيء منها، وإنما يثبت عقبها، قول أبي الخطاب يسوي بين الأيام وبين غيرها، والعمل بالخبر أولى والقياس ما قال أبو الخطاب لأن الحكم كذلك في العيوب وسائر التدليس.