بل يقول للمغبون: قد أثبت لك الشرع رد ما غبنت فيه، وأخذ ما دفعته في مقابلته، وخذ إن شئت أو دع.
وأما ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده - من إلزام الخصمين أجرة العدلين.
فأقول: إن كان للتقويم هو المدعي للغبن فلا شك أن أجرة عملهما عليه؛ لأنه الطالب، وخصمه قائم مقام المنع، وليس على من قام مقام المنع من الغبن أن يغرم من ماله للعدول، بل قيامه في هذا المقام يكفيه، سواء ترتب على التقويم ثبوت الغبن أو عدمه، وإن كان الذي أمر بالتقويم هو القاضي توصلا إلى مستند يرفع به الخصومة، ويدفع عن الخصمين معرة طولها المستلزمة لإتعابهما، وذهاب شطر من مالهما، لا سيما إذا وقعا في حاكم حكام السوء المبالغين في تطويل ذيول الخصام للحطام، والمتكالبين على توسيع دائرة الزحام لمباهاة أمثالهم من الحكام، فلا شك ولا ريب أن هذا النظر من ذلك الحاكم من أسد الأنظار وأنفسها، وله أن يوزع ما يلزم للمقومين على الغريمين على ما يرياه أقرب إلى الصواب، وهذه الشريعة الغراء قد شهدت كليات منها وجزئيات بأن جلب المصالح ودفع المفاسد من أهم مقاصدها، وأجل مواردها (١).
وفي هذا المقدار كفاية.
حرره محمد بن علي الشوكاني - غفر الله لهما - في الثلث الأول من ليلة الجمعة، لعلها ليلة ثلاثين من شهر محرم سنة ١٢١٩ هـ.