للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرخص المستلزم لانحطاط الثمن، أو لأنهم يجهلون السعر الذي يبتدعه أهل الحضر فيبيعون بخص طيبة بذلك أنفسهم، غير ملتفتين إلى القوانين المعروفة في الحضر. وعلى تقدير أنهم باعوا برخص جاهلين للغلا، ولو علموا به لم تطب أنفسهم بذلك، فهذا نوع من الغرر إذا طلبوا الفسخ به كان لهم ذلك. فالحاصل أن بيع البادي قد يحصل له الرزق للمشتري منه على هذه الاحتمالات، ولا ينافيه ثبوت الخيار على تقدير من تلك التقادير، فتدبر هذا الإجازة.

وأما ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده - إذا كان المبيع الذي وقعت فيه المغابنة قد زاد أو نقص.

فأقول: قد تقدم الدليل على ثبوت الرد للعين المغبونة، فإذا ذهب بعضها، وبقي البعض، فهذا الحكم الذي أثبته الشارع للكل هو ثابت لذلك البعض، بنفس ذلك الدليل، ومن ادعى أن تلف البعض يمنع من ثبوت حكم الكل له فعليه الدليل، ولا أعلم هاهنا دليلا يدل على اختصاص الرد بالكل لا بالبعض، والأصل عدم وجود المانع حتى يقيم مدعيه البرهان عليه، وهذه الأمور معلومة من قواعد الشريعة.

وقد تكلم أئمة الفروع - رحمهم الله - في هذه المادة بتفاصيل، وجمل معلومة عند من يعلمها، ولكن فرض المجتهد أن يمشي مع الدليل على مقتضى قواعد علوم الاجتهاد. ويكون ما ذكرناه من رد البعض بحصته من الثمن بالنسبة إلى الكل (١). وما أشار إليه السائل - كثر الله فوائده - من صنيع كثير من الحكام أنهم يأمرون بتقويم المبيع الذي وقع فيه الغبن، ويلزمون المشتري ما نقص عن القيمة، فهذا إن تراضيا عليه الخصمان، فهو أقل مؤونة، وأقرب مسافة، والتراضي هو المناط الأكبر في تحليل أموال العباد، وأما إذا وقف الخصمان على مر الحق، وطلبا من الحاكم أن يقضي بينهما به، فلا يجوز له أن يسلك هذا المسلك، ويصنع هذا الصنع، فإنه خلاف المسلك الشرعي


(١) انظر: " المغني " (٦/ ٢٢٣ - ٢٢٥) " الأم " للشافعي (٦/ ١٤ - ١٥).