للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسالتي هكذا: " وذلك غرر فله التخلص بالفسخ ".انتهى.

فهذا تصريح لا يبقى بعده ريب لمرتاب، ولا ينافي ذلك إثبات الخيار مع العلم بالتعذر كما لا يخفى، وإن أراد بالقاضي القاضي عياض فكلامه الذي نقله ونقلناه يشتمل على خيار تعذر تسليم المبيع، كما يشتمل على غيره من الخيارات حسبما أوضحناه، فينبغي تحرير هذا المقام بما هو مقبول من الكلام.

قال - كثر الله فوائده -: فما ذكره القاضي في غاية التكلف، وبمحل من عدم القبول.

إن كان سبب التكلف، وعدم القبول هو كون كلام النجري يخالفه فهذا الاعتراض في غاية الاعتساف، وبمحل من عدم الإنصاف، وأما دعوى أنه صالح للعلية فمجرد الصلاحية لا يستلزم أن يكون الصالح هو العلة دون غيره مما هو أصلح منه، أو مماثلا في الصلاحية. وأما دعوى أن الشارع جعله مناطا في غيره فلا يستلزم أن يكون مناطا فيه لا عقلا ولا شرعا.

قال - كثر الله فوائده -: بل فيه ما يدل على قصر السببية على التصرية من مخالفها للقياس بإرجاع صاع من التمر.

أقول: هذا منه - عافاه الله - جمود وحنين إلى الوطن الذي حبب إلى الرجال، وهو التقليد الذي نشأ كل فرد من أفراد العالم عليه وإن اختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، ومن كان عالما بما ورد من في الشريعة الغراء ضمن الأعيان لأربابها وجد فيها ضمان الشيء بمماثل له، وإن لم يكن مثليا في عرف الفقهاء كما في تضمينه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ولعائشة - رضي الله عنها - قصعة مثل القصعة التي كسرتها على بعض أمهات المؤمنين (١)، وضمان الشيء بغير مماثل له كصاع التمر عن لبن المصراة،


(١) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٢٤٨١) وأبو داود رقم (٣٥٦٧) والترمذي رقم (١٣٥٩) وابن ماجه رقم (٢٣٣٤) والنسائي (٧/ ٧٠رقم ٣٩٥٥) من حديث أنس " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال: وقال: كلوا .. ودفع القصعة الصحيحة للرسول وحبس المكسورة.
ولفظ الترمذي قال: "أهدت بعض أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طعام بطعام وإناء بإناء ".