أما السبب: فهم متميز عن العلة من جهة: ١) اللغة: فالسبب ما يتوصل به إلى غيره. ولو بوسائط - ومنه سمي الحبل سببا، وذكروا للعلة معاني يدور القدر المشترك فيها على أنها تكون أمرا مستمدا من أمر آخر. وقال أكثر النحاة: اللام للتعليل ولم يقولوا للسببية، وقالوا الباء للسببية ولم يقولوا للتعليل، وصرح ابن مالك بأن الباء للسببية والتعليل وهذا تصريح بأنهما غيران. ٢) أما من جهة الاصطلاح الكلامي: فإنهما يشتركان في توقف المسبب عليهما ويفترقان من وجهين: أحدهما: أن السبب يحصل الشيء عند لا به، والعلة ما يحصل به. والثاني: أن المعلوم متأخر عن العلة بلا واسطة ولا شرط يتوقف الحكم على وجوده. والسبب إنما يقتضي الحكم بواسطة أم بوسائط، ولذلك يتراخى الحكم عنها حتى توجد الشرائط وتنتفي الموانع. وأما العلة فلا يتراخى الحكم عنها إذا اشترط لها، بل أوجبت معلولا بالاتفاق. ٣) أما من جهة الاصطلاح أصولي: العلة في لسان الفقهاء تطلق على المظنة أي الوصف المتضمن لحكمة الحكم، كما في القتل العمد العدوان، فإنه يصح أن يقال: قتل لعلة القتل، وتارة يطلقونها على حكمة الحكم، كالزجر الذي هو حكمة القصاص. فإنه يصح أن يقال: العلة الزجر. وأما السبب: فلا يطلق على إلا على مظنة المشقة دون الحكمة إذ بالمظنة يتوصل إلى الحكم لأجل الحكمة. ٤) أما من جهة الاصطلاح الفقهي: السبب يطلق في اصطلاح الفقهاء على أربعة أمور: أ ـ السبب الذي يقال أنه مثل العلة كالرمي، فإنه سبب حقيقة إلا أنه في حكم العلة، لأن عين الرمي لا أثر له في الحكم حيث لا فعل منه، ومنه الزنى. ب ـ ما يكون الطارئ مؤثرا ولكن تأثيره مستند إلى ما قبله، فهو سبب من حيث استناد الحكم إلى الأول لا استناد الوصف الأخر إلى الأصل. ج ـ ما ليس سببا بنفسه ولكن بصير سببا غيره، كقولهم: القصاص وجب ردعا وزجرا، ثم قالوا: وجب لسبب القتل، إذ القتل علة القصاص، فقطعوا الحكم عن العلة، وجعلوه متعلقا بالعلة. والعلة غير الحكم. د ـ ما يسمى سببا مجازا من حيث أنه سبب لما يجب، كقولهم الإمساك سبب القتل وليس سبب القتل حقيقة، فإنه ليس يفضي إلى القتل، بل القتل باختيار القاتل. لكنه سبب المتمكن من القتل بإلحاق، وقيل: سبب القتل، فالأسباب لا تدعوا هذه الوجوه. الفقهاء يقولون: العلة هي التي يتبعها الحكم. السبب ما تراخى عنه الحكم ووقف على شرط أو شيء بعده. انظر " البحر المحيط " (٥/ ١١٥ - ١١٦)، " الكوكب المنير " (٤/ ٨ - ١٢)، "إرشاد الفحول " (ص٧٠٢).