للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التغرير، وليس الغرر في أكثر الخيارات بهذا المعنى.

أقول: لكن أهل اللغة (١) لم يفرقوا بين الغرر والتغرير كما أوضحناه سابقا، والمدلول اللغوي (٢) عند عدم وجود الحقيقة الشرعية. فما عول عليه - عافاه الله - من الفرق بين الغرر والتغرير إن كان لبيان أصل الفرق بينهما فمسلم، ولا ينفعه ولا يضرنا، وإن كان لبيان كون ذلك الفرق يخرج أحدهما عن معنى الغرر لغة الذي هو محل النزاع فممنوع، والسند ما تقدم به من النقل، واختلاف أمرين في بعض الذاتيات أو العرضيات لا يمنع من اندراجهما تحت أمر يعمهما كالإنسان، والفرس؛ فإن اخل افهما في الناطقية والصاهلية، واستقامة القامة، وظهور البشرة، والضحك لا يمنع من كونه يقال على كل واحد منهما أنه حيوان في جواب ما هو؟ وأما ما ذكره - عافاه الله - من مخالفة حيث المصراة للقياس فقد تقدم جوابه (٣).

قال - كثر الله فوائده -: أحدهما أن خيار العيب أصل برأسه.

أقول لكن العلة الغرر كما بيناه، وذلك لا ينافى تسميته خيار عيب فإنه سمي بذلك لسببية العيب للخيار لا لعليته له.

وأما ما ذكره من تخلف الحكم في العيب، وأنه نقض قادح. فنقول: تخلف الحكم للدليل الخاص فكان ذلك من بناء العام على الخاص، فليس بنقض (٤) ولا كسر (٥).


(١) تقدم في بداية الرسالة.
(٢) تقدم في بداية الرسالة.
(٣) في الرسالة رقم (١١٠).
(٤) النقض هو تخلف الحكم مع وجود العلة ولو في صورة واحدة فإن اعترف المستدل بذلك كان نقضا صحيحا عن من يراه قادحا، وأما من لم يره قادحا فلا يسميه نقضا بل يجعله من باب تخصيص العلة.
وانظر مزيد تفصيل " تيسير التحرير " (٤/ ١٣٨)، و" البحر المحيط " (٥/ ٢٦١).
(٥) الكسر: هو إسقاط وصف من أوصاف العلة المركبة وإخراجه عن الاعتبار بشرط أن يكون المحذوف مما لا يمكن أخذه في حد العلة.
ومنهم من فسره: بأنه وجود المعنى في صورة مع عدم الحكم فيه، والمراد وجود معنى تلك العلة في موضع آخر ولا يوجد معها ذلك الحكم وعلى هذا التفسير يكون كالنقص ولهذا قال ابن الحاجب في " المختصر " (٢/ ٢٦٩): هو نقض المعنى والكلام فيه كالنقض. ومثاله أن يعلل المستدل على القصر في السفر بالمشقة فيقول المعترض: ما ذكرته من المشقة أرباب الصنائع في الحضر.
وقد ذهب الأكثرون إلى أن الكسر غير مبطل وأما الفخر الرازي والبيضاوي وجماعة من الأصوليين فجعلوه من القوادح.
انظر "المنهاج " (٢/ ٣٩٨ - شرح الأصفهاني)، " البحر المحيط " للزركشي (٥/ ٢٧٩).