للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحصر، ولا لفظ من الألفاظ الدالة على سببية الغير، فقد غلط على اللغة غلطا بينا، وأيضا يلزمكم إن علم الحاكم (١)، والنكول (٢)، ورد اليمين ليست (٣) بأسباب لعدم النص عليها، مع أن شهادة الشاهدين لا يفيد إلا لمجرد الظن على أنهم لم يعتبروا حصول الظن للحاكم بل قالوا: يكفي أن لا يظن الكذب، وكذلك إقرار المقر لا يفيد الحاكم العلم بأنه مطابق للواقع لجواز أن يكون كاذبا في إقراره، فغاية ما يستفاد من إقرار المقر على نفسه هو مجرد ظن الصدق، وأما يمين المدعي فهي أضعف من هذين السببين في تحصيل الظن للحاكم، وإذا كان غاية ما يفيده هذه الأسباب للحاكم هو مجرد الظن، فكيف لا يجوز له أن يحكم بما يفيد مفادها! أو يزيد عليها كعلم الحاكم مع عدم ورود ما ينفي العمل بذلك عن الشارع، لما قدمنا من أن مجرد النص على سبب لا ينفي غيره مما يحلق به بفحوى الخطاب أو لحنه.

فإن قلتم: الدليل على حكم الحاكم بعلمه أدلة إطلاع بالعلم. قلنا: وهكذا كل ما يفيد العلم. وإن قلتم: الدليل على أن النكول ورد اليمين سببا أدلة العمل بالظن. وهكذا كل ما يفيد الظن كائنا ما كان، والفرق تحكم. ومع هذا فلست ممن


(١) انظر الرسالة رقم (٦٣).
(٢) قال الشوكاني في " السيل " (٣/ ٣٢٢ - ٣٢٣): الأسباب التي ورد بها الشرع هي الإقرار أو البينة أو اليمين، فإذا حصل واحد من هذه وجه الصحة فقد وجب به في حكم الشرع. ووجب عنده إلزام الخصم.
* وأما النكول فهو وإن كان أقوى القرائن على صدق دعوى المدعي ولكنه لما كان الحامل عليه قد يكون الترفع عن اليمين كما يفعله كثير من المتكبرين، وقد يكون الحامل عليه مزيد الغباوة ممن توجهت عليه اليمين وعدم علمه بأن اليمين واجبة عليه، وقد يكون الحامل عليه ما يعتقده كثير من العامة أن مجرد الحلف ولو على حق لا يجوز وأنه الفاعل له، فلما كان الأمر هكذا لم يكن مجرد النكول سببا شرعيا للحكم.
(٣) قال الشوكاني في " السيل الجرار " (٣/ ٣٢٥) لم يصح شيء في يمين الرد قط، وما روى في ذلك فلا يقوم به حجة، ولا ينتهض للدلالة على المطلوب، والأسباب الشرعية لا تثبت إلا بالشرع.