للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك غيره فلا نرى من هو؟ وإن كان قال: ذلك من جهة نفسه فيبعد عليه أن يستقرئ ما يقوله أهل البلدة، وهي مدينة صنعاء في هذه المسألة لكثرة من يعتقد في الإجماع من أهلها في عصره، وغالبهم مترد بأردية الخمول، مترمل في أثواب الاعتزال كما هو عادتهم وديدنهم وهجيراهم، فكيف يستقرئ ما عند جميع علماء هذه الجزيرة اليمنية وهي بالنسبة إلى جميع البلاد الإسلامية كغرفة من بحر متلاطم الأمواج، نعم قد وقع الاختلاف في هذه الأجناس إذا اختلفت، سواء اختلف التقدير، أو اتفق، فالجمهور اشترطوا التقابض عملا بالدليل الصحيح المصرح بأنها إذا اختلفت باعوا كيف شاؤوا إذا كان يدا بيد (١).

وقال أبو حنيفة (٢) وأصحابه وابن علية أنه لا يشترط التقابض في ذلك. والحديث يرد عليهم، ويدفع قولهم. وأما الاستدلال بما عند النسائي، وابن ماجه، وأبي داود من حديث عبادة بن الصامت، وفيه: " وأمرنا أن نبيع البر بالشعير، والشعير بالبر، يدا بيد كيف شئنا " (٣). فيجاب عنه بأن تخصيص النوعين بذلك ليس فيه ما يخالف ما في الأحاديث الواردة في كل الأصناف المختلف، فقد صرح فيه باشتراط التقابض بقوله: يدا بيد، وذلك هو المطلوب، ولو كان في ذكر هذين النوعين، وإهمال بقية الأنواع دليل


(١) انظر: " الأم " (٦/ ٥١ - ٥٢، ٦٥).
(٢) " البناية في شرح الهداية " (٧/ ٤٧١ - ٤٧٢) يعتبر فيه التعيين ولا يعتبر فيه التقابض خلافا للشافعي في بيع الطعام بالطعام له قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث المعروف يدا بيد ولأنه إذا لم يقبض في المجلس يتعاقب بالقبض، وللنقد مزيد فتحقق شبهة الربا، ولنا أنه مبيع متعين فلا يشترط فيه القبض كالثوب وهذا لأن الفائدة المطلوبة إنما هو التمكن من التصرف ويترتب ذلك على التعيين بخلاف الصرف لأن القبض فيه يتعين به ومعني قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يدا بيد عينا بعين ". وتقدم قول الجمهور اشتراطهم التقابض عملا بالدليل الصحيح. انظر: " المغني " (٦/ ٦٣ - ٦٤)
(٣) تقدم تخريجه.