للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإجماع على جواز بيع مختلفي الجنس والتقدير أحدهما بالآخر من غير اشتراط التقابض (١)، فإن صح ما ادعاه هذا المدعي كان المخصص هو الإجماع عند من يقول بحجيته، والحق أنه لم يقم دليل لا من عقل ولا نقل يدل على حجيته، هذا على فرض إمكان نقله، وإمكان وقوعه وإمكان العلم به، والكل ممنوع. وقد أوضحت الكلام على حجية الإجماع في كتابي في الأصول الذي سميته: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (٢)، فإن شئت أن يتضح لك المقام بما لا يحتاج بعده إلى النظر في كلام فطالعه، ثم هذا المدعي للإجماع هو (بلدينا) (٣) العلامة المغربي (٤) -رحمه الله - فإن كان قد قلد في


(١) قال أبو حنيفة: لا يشترط التقابض فيهما كغير أموال الربا، وكبيع ذلك بأحد النقدين.
انظر تفصيل ذلك في " البناية في شرح الهداية " (٧/ ٤٦١ - ٤٦٥).
قال ابن قدامة (٦/ ٦٣): ولنا قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد ". تقدم تخريجه وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء " متفق عليه.
والمراد به القبض، بدليل أن المراد به في ذلك في الذهب والفضة ولهذا فسره عمر به ولأنهما مالان من أموال الربا علتهما واحدة فحرم التفرق فيهما قبل القبض كالذهب بالفضة، فأما إن اختلفت علتهما ن كالمكيل بالموزون عند من يعلل بهما.
فقال أبو الخطاب: يجوز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة، لأن علتهما مختلفة، فجاز التفرق قبل القبض، كالثمن بالثمن، وبهذا قال الشافعي إلا أنه لا يتصور عنده ذلك إلا في بيع الأثمان بغيرها.
انظر: " الأم " (٦/ ٥١ - ٥٤). " بداية المجتهد " لابن رشد (٣/ ٢٥٩ - ٢٦٠) بتحقيقنا.
(٢) (ص ٢٨٠ - ٣٥٠) بتحقيقنا.
(٣) في المخطوط [بلدينا] والصواب ما أثبتناه.
(٤) هو الحسن بن إسماعيل بن الحسين بن نسبة إلى مغارب صنعاء ثم الصنعاني حفيد الشارح بلوغ المرام. ولد بعد سنة ١١٤٠هـ.
انظر: "البدر الطالع " رقم (١٢٦)، " نيل الوطر" (١/ ٣١٩).