للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحاديث كثيرة. فما هو جواب عز الدين عن هذه الأدلة فهو جوابنا لأن مسألة النزاع من خيار الشرط كما قررناه.

إذا تقرر هذا عرفت أن البيع المصحوب بتلك الإقالة العرفية التي هي في الحقيقة خيار شرط، إذا لم يكن المقصود منه التوصل إلى ما حرمه الله من الربا، أو القرض الذي يجر منفعة صحيح دليلا ومذهبا.

فالمبادرة من بعض الحكام إلى القضاء ببطلانه عند دعوى البائع أنه باع أرضه بدون ثمنها رغبة في الالتزام وإقامة الشهادة على أن ذلك الثمن دون القيمة المثلية مجازفة، لا يقع مثلها من متورع، ولا يصدر التجاري بالحكم على القطع عندها من متشرع، لأن القضاء يذلك إن كان تقليدا فمن المقلد، فإن العلماء من أهل المذهب وغيرهم إنما أبطلوا صورة من الصور التي يقع عليها بيع الرجا عرفا، والتعميم الموجود في عبارة بعضهم، إنما هو بالنسبة إلى مواطن تلك الصورة باعتبار اختلاف الجهات والكيفيات، وإن كان اجتهادا فما المستند؟ فإنا لم نجد ما يدل على بطلان الصورة والمسئول عنها، لا في كتاب الله تعالى، ولا وفى سنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، ولا في قياس صحيح، ولا في إجماع ولا قول صاحب، بل وجدنا ما يدل على صحتها كتابا وسنة وقياسا وإجماعا كما قدمنا تحقيق ذلك.

والحاصل أنا لم نؤمر بالبحث عن خفيات الضمائر، والتفتيش للقلوب عن ما لا سبيل لنا إلى معرفة حقيقته من السرائر، فإذا توقع التنازع الينا في صورة من الصور التي أذن الشارع بها كصورة السؤال، فالمتوجه علينا القضاء بصحتها حتى يقوم دليل يوجب علينا الانتقال عن الحكم بصحة هذه الصورة، لا بمجرد دعوى البائع أن المشتري لا بقصد له بهذا البيع إلا الانتفاع بالغلة في مقابل ذلك الثمن المدفوع منه، فإن هذه الدعوى مع مخالفتها لما هو الأصل والظاهر، ولما يجب علينا من تحسين الظن بالمسلمين، وحمل معاملاتهم على الصحة، ليست مما تبني على مثلها قناطر الاحكام، ويفصل بالنظر إليها ما يعرض بين المتخاصمين من الجدال والخصام، وقد نهينا عن العمل بما لا علم لنا به فيما