للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتب الحديث المعتمدة، وكتب السير، فانظر كيف اعتبرها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في هذه الأمور ظواهر الاحوال، ولم يصده عن التمسك بالظاهر مجرد ما يعرض من الاحتمال، وهكذا يجب علينا أن نصنع فيمن عقد عقدا صحيحا، موافقا لظاهر الشرع. ولا يجوز لنا الإلتفات إلى احتمال أنه إنما فعل ذلك لغرض آخر غير مأذون به، ولا سيما إذا كان مصرحا بإرادة ذلك الظاهر وقت الخصام، متبرئا عن إرادة غيره، مما لا يخالفه، ويخالف ما أذن به الشارع، والحاكم المنور البصيرة الممد من الله بالتوفيق إذا أشكل عليه أمر فتح الله له من أبواب معارفه ما يميز به بين الحق والباطل. ولنوضح ما أسلفناه من الجزم بصحة الصورة المسئول عنها بسلوك طريقة من طرائق النظر فنقول لمن ادعى عدم صحتها:

هل المانع من صحة هذه الصورة أمر يرجع إلى نفي العقد، أو إلى البائع والمشتري أو إلى المبيع، أو إلى الثمن، أو إلى شرط الإقالة، أو إلى أمر غير ذلك؟ لا جائز أن يكون المانع من الصحة أمرا راجعا إلى نفس العقد، لأنه وقع على صورة صحيحة شرعية، لأن صورة السؤال التي ذكرها السائل صحيحة مشتملة على التراضي الذي هو المناط الشرعي؛ وهو كاف.

أما عند من لم يعتبر حصول العقد بلفظ: بعت، شربت أو ما يؤدي معناهما من ألفاظ مخصوصة فظاهر، وأما عند من يعتبر بعد حصول التراضي زيادة ذلك اللفظ المعتبر فالمفروض في صورة السؤال أنه وقع بينهما عقد بلفظ يقتضي التمليك، ولم أزل أبحث عن وجه اشتراط العقد في البيع، وما يماثله بألفاظ مخصوصة فلم أجد في ذلك ما يشفي، وظاهر الأحاديث والكتاب العزيز أن الشرط صدوره عن تراض، وأن التراض مستقل بانتقال الملك، والألفاظ إنما هي قرائن للرضي، ودوال عليه. وأما لفظ مخصوص من الجانبين فلا دليل عليه، وإنما قلنا كذلك لأنه قوله {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (١)، وقوله


(١) [النساء: ٢٩].