للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيان في أحكام القرآن " (١)، وهو: فإن قال قائل: فاشتراط التلفظ في البيع أمر زائد على ما ورد به القرآن الكريم؛ إذ لم يرد إلا باشتراط التراضي، ولم ترد السنة باشتراطه أيضا، ومقتضي هذا أنه يجوز بيع المعاطاة إذ دلت القرائن، وشواهد الأحوال على الرضي.

قلنا: التجارة والبيع أمر معتاد في الوجود، وهو التعاوض، ثم استدل على اعتبار العقد تحديث: " لا يبيع أحدكم على بيع أخيه " (٢) وجعله مقتضيا أن البيع هو التعاقد الناقل لملك أحدهما إلى ملك الآخر، وأن التساوم لما كان من مقدمات البيع، ولا ينعقد بمثله مع كونه بألفاظ من البائع والمشتري، أفاد اعتبار العقد ت، ثم قوى هذا بما وقع في الأحاديث من ذكر لفظ " إذا بعت " ونحو ذلك، ولا يخفى عليك أن مجرد المساومة أمر متقدم على الرضي المعتبر، فلا بد معها من أمر مشعر بالرضى، بأي صيغة كانت، والتنصيص على لفظ: " بعت " في بعض المواطن لا يستلزم الحصر في المنصوص عليه كما سلف، لا سيما بعد تطابق اللغة والشرع والعرف على تسمية هذه المعارضة بيعا، وإن وقعت بغير لفظ: " بعت " فيكون هذا هو النكتة في إطلاق مثل ذلك اللفظ بخصوصه على تلك المعاوضة.

وبهذا تعرف أن كون المساومة (٣) من مقدمات البيع لا يستلزم ما اشتملت عليه تلك الدعوى من اشتراط العقد بألفاظ مخصوصة، لأنا لم ندع أن مجرد وقوع التلافظ بين البائع والمشتري بأي لفظ كان يكفي في البيع حتى يرد علينا أنهما قد تساوما بألفاظ، ولم يكن ذلك بيعا بل قلنا: المعتبر صدور لفظ يدل على الرضا، أو ما يؤدي مؤداه من كتابة أو إشارة، وهذا أمر وراء المساومة، لأنها ألفاظ لا إشعار لها بالرضى على أنه يلزم


(١) كذا في المخطوط وصوابه " تيسير ". انظر التعليقة السابقة.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٥١٤٢) ومسلم رقم (٨/ ١٤١٢) من حديث ابن عمر وقد تقدم.
(٣) انظر " المسوى " (٢/ ٣١). " الهداية " للمرغنياتي (٣/ ٢١).