للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقول الجواب ينحصر في وجوه:

الوجه الأول: فيما ذكره أهل علم الفروع في تخوم الأرض، وهم يريدون بالتخوم باطن الأرض لا حدودها كما سيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى -. وعلى تحقيق هذا الوجه يتوقف جواب جميع ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده -.

فاعلم أنه قد اضطرب كلام أئمة الفروع في ذلك غاية الاضطراب، فتارة يذكرون ما يفيد أن التخوم لا تملك بل هي حق فقط، وتارة يذكرون ما يفيد أنها تملك. فمن المواضع التي ترشدك إلى ما ذكرناه ما صرحوا به في البيع فإنهم صرحوا بأنه لا يدخل في البيع معدن ولا دفين (١)، وصرحوا أنه يجوز أخذ المعدن من ملك الغير، وأنه لمن أخذه لا لمالك الأرض.

ووقع في كلام بعضهم التفصيل فقال: يجوز أخذ المعدن من ملك الغير إذا كان من غير جنس الأرض، لا إذا كان من جنسها، وهذا التفصيل هو الصواب. وقد أشار إليه جماعة من المحققين منهم النجري في المعيار، فكلامهم في المعدن يفيد أن تخوم الأرض لا


(١) قال ابن قدامة في " المغني " (٤/ ٢٤٥ - ٢٤٦): والمعادن الجامدة تملك بملك الأرض التي هي فيها، لأنها جزء من أجزاء الأرض، فهي كالتراب والأحجار الثابتة، بخلاف الركاز فإنه ليس من أجزاء الأرض، وإنما هو مودع فيها، وقد روى أبو عبيد في " الموال " (ص٣٣٨ - ٣٣٩) بإسناده عن عكرمة مولى بلال بن الحارث المزني، قال: اقطع رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالا أرض كذا، من مكان كذا، إلى كذا، وما كان فيها من جبل أو معدن. قال فباع بنو بلال من عمر بن عبد العزيز أرضا، فخرج فيها معدنان، فقالوا: إنما بعناك أرض حرث، ولم نبعك المعدن، وجاءوا بكتاب القطيعة التي قطعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبيهم، في جريدة، قال فجعل عمر يمسحها على عينيه، وقال لقيمة: انظر ما استخرجت منها، وما أنفقت عليها فقاصهم بالنفقة، ورد عليهم الفضل، فعلى هذا ما يجده في ملك أو في موات فهو أحق به.
وقد روى أنها: تملك بملك الأرض التي هي فيها لأنها من نمائها وتوابعها فكانت لمالك الأرض، كفروع الشجر المملوك وثمرته.
وانظر: " المجموع " (١١/ ٢٩٠)، " الحاوي " (٦/ ٢١٢).