للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجاب القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني حماه الله تعالى بما لفظه:

لا شك ولا ريب أن المذكور إن كان نابتا في المواضع الداخلة تبعا للملك المصرح بدخولها في المبيع فلا يقبل من البائع دعوى عدم الدخول إلا أن يقيم على عدم الدخول برهانا صحيحا راجحا فذاك وهذا معروف مألوف في كلام أهل المذهب وغيرهم لا ينكره من له أدني اطلاع.

وإذا تقرر بطلان الدعوى ودخول ذلك النابت في المبيع فصاحب الأرض المشتري لها قد صار مستحقا له (١) ومقدما على غيره. وهذا مصرح به في مطولات كتب المذهب


(١) قال الشافعي: " كل أرض بيعت فللمشتري جميع ما فيها من بناء وأصل. "
مختصر المزني " (ص٧٩).
قال الماوردي في "الحاوي" (٦/ ٢١٠ - ٢١٢): أن من باع أرضا ذات بناء وشجر، لم يخل حال ابتياعه من ثلاثة أحوال:
١ - إما أن يشترط دخول البناء والشجر في البيع لفظا فيدخل.
٢ - إما أن يشترط خروجه لفظا فيخرج.
٣ - إما أن يطلق العقد ويقول: ابتعت منك هذه الأرض، فنص الشافعي في البيع: أن ما في الأرض من بناء وشجر يدخل في البيع.
ونص في الرهن: أن ما في الأر من بناء وشجر لا يدخل في الرهن فاقتضى لاختلاف نصه في الموضعين -البيع والرهن- أن اختلف أصحابنا في المسألتين على ثلاث طرق:
أ - الأولى: وهي طريقة أبي الطيب بن سلمة وابن حفص الوكيل، فقد خرج المسألة على قولين:
١ - أن البناء والشجر لا يدخل في البيع ولا في الرهن جميعا، كما لا تدخل الثمرة المؤبرة في البيع ولا في الرهن.
٢ - أن البناء والشجر يدخل في البيع والرهن جميعا، بخلاف الثمرة المؤبرة. لأن الثمرة المؤبرة تستبقي مدة صلاحها ثم تزال عن نخلها وشجرها، فصارت كالشيء المتميز، فلم تدخل إلا بالشرط، والبناء والشجر يراد للتأبير، والبناء يجري مجرى أجزاء الأرض فصار داخلا في العقد.
ب - الطريقة الثانية: وهي طريقة أبي العباس: وهو أنه جعل اختلافه اختلاف نصه في الموضعين على اختلاف حالين:
فجعل ما نص دخول ذلك البيع محمولا على أنه لو قال: بعتك الأرض بحقوقها، يدخل في البيع البناء والشجر لأنه من حقوق الأرض ولو قال مثله في الرهن لدخل.
وجعل ما نص عليه من خروج ذلك من الرهن محمولا على أنه قال: رهنتك الأرض ولم يقل بحقوقها، فلم يدخل في الرهن البناء والشجر لأنه أطلق، ولو فعل مثله في البيع لم يدخل ولا فرق بين البيع والرهن.
ج - الطريقة الثالثة: وهي طريقة أبي إسحاق المروزي، وأبي علي بن هريرة وجمهور أصحابنا: أبي احملوا جوابه في كل واحد من الموضعين على ظاهره وجعلوا البناء والشجر داخلا في البيع بغير شرط، ولم يجعلوه داخلا في الرهن إلا بالشرط، وفرقوا بين البيع والرهن بفرقين:
١ - أن عقد البيع يزيل الملك، فجاز أن تكون ما اتصل بالمبيع تبع له لقوته وعقد الرهن يضعف عن إزالة الملك، فلم يتبعه ما لم يسمه لضعفه.
٢ - أنه لما كان ما حدث في البيع للمشتري، جاز أن يكون ما اتصل به ثم قبل المشتري، ولما كان ما حدث في الرهن، لا يدخل في الرهن، اقتضى أن يكون ما تقدم الرهن أولى أن لا يدخل الرهن.
والثابت في الصحيح من القول: أن البناء والشجر يدخل في البيع فكذا كل ما كان في الأرض متصلا بها من مسمياتها سواء أكان آجرا أو حجارة أو ترابا وكذا تلال التراب التي تسمى بالبصرة جبالا، وجوخاتها، وبيدرها وقدرها. والحائط الذي يحفرها وسواقيها التي تشرب الأرض منها وأنهارها التي فيها وعين الماء إن كانت فيها فإنه يملكها.
انظر: "المغني" (٦/ ١٤٢)، "المجموع" (١١/ ٢٤٥ - ٢٥٣)، "الوسيط في المذهب" (٣/ ١٦٩ - ١٧١).