للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرعية غير ثابتة، لأن ترك تضمينهم قد يؤدي ألى أنهم يفعلون في تلك الطريق من الأفاعيل ما يكون سببا لانقطاع المارة عنها؟.

أقول: الجواب عن هاتين المسألتين يحتاج ألى تقديم مقدمة، هى أن الله تعالى تعبد عباده بأحكام أنزل بها كتبه، وأرسل بها أنبياءه، ولم يشرع لهم الاقتداء بأفعاله وصفاتة، فمن قال أنه يسوغ له تعذيب عباد الله أو قتلهم، لأن الله- سبحانه- يبتليهم بالأمراض والمحن، أوقال أنه يجوز له تسليط بعضهم على بعض، أو تسخير بعضهم لبعض، أو ما يعود عليهم ينقص في الأموال والأنفس، لأن الله قد يفعل ذلك، لأن هذا القائل في عدد العلماء، بل لا يكون في عدد العقلاء، فلله المثل الأعلى. قال الله- عز وجل-: قال تعالى (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) (١) ومن هاهنا


(١) [الأنبياء: ٢٣].
قال القرطي في"الجامع لأحكام القرآن" (٧/ ٣٩١): قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر-بين أظهرهم فيعمهم العذاب، وهذا التأويل تعضده الأحاديث الصحيحة ففي صحيح البخاري رقم (٣٣٤٦) ومسلم رقم (٢٨٨٠) عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت له: يا رسول الله، أهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاهم وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقتا في نصيبنا خرقا، ولو نؤذ من فوقنا، فان تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".
أخرجهالبخاري رقم (٢٤٩٣) والترمذي رقم (٢١٧٣) ففي هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم قال: "فالفتنة إذا عمت هلك الكل، وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر وعدم التغير، وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها، وهكذا كان الحكم فيمن كان قبلن من الأمم، كما في قصة السبت حين هجروا المعاصين وقالوا لانساكنكم وبهذا قال السلف. وروى البخاري في صحيحة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم".
فهذا يدل على أن الهلاك العام منه ما يكون طهرة للمؤمنين ومنه ما يكون نقمة للفاسقين. انظر: "جامع البيان"لابن جرير الطبري (٦/ج٩/ ٣١٨).