تعلم بطلان استدلال بعض المتأخرين على جواز تغريم أهل قرية من القرى، أو مدينة من المدن ما يوجدفي حدودهم أو طرقهم الخاصة بهم، أوالعامة لهم [٢ب] ولغيرهم من جنايات، أو أموال منهوبة، أو نفوس مسلوبة، حيث لا يصح القسامة الشرعية بما فعله تعالى من معاقبة قوم عاقر الناقة، وشمول العذاب للفاعل ولغيره، فان هذا فعل من لا يسأل عما يفعل، وأبطل من هذا استدلال من استدل على ذلك بقوله تعالى:(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)(١) فان هذه الأية ليس فيها إلا التحذير عن أسباب الفتن، فانها إذا غلت مراجلها، وسطعت شررها، وأطل قتامها لا تدور على مسعر لهبها، ومثير عجاجها، بل تطحين كل مالاقت، وتدك كل ماتجد، كائنا ما كان. وقد ذكرت العرب هذا في أشعارها كما قال الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها- علم الله- ... واني لحرها اليوم صالي
وقال الآخر:
وجرم جره سفها قوم ... فحل بغير جارمه العقاب
فالمراد من الأية الكريمة التحذير لمن يتلبس بأسباب الفتن عن أن يدع الحد والاجتهاد في دفع تلك الأسباب، وهذا هو معنى اتقائها الذي أمرنا الله به، لأن التفريط في هذا الارتقاء يؤدى إلى إصابة الفتن لمن تلبس بأسبابها ومن لم يتلبس، وما كان هذا ماله فما أحقهبأن يتقيه كل أحد، وأكثر ما تكون هذا الإصابة العامة في الفتن الجاهلية، أو ما يلتحق بها من الفتن الواقعة في الإسلام على غير منهج الشرع، وقانون العدل،