وأما ما ورد عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من أخذ الجار بالجار، والقريب بالقريب كما في بعض الأحاديث فلعل ذلك كان قبل استقرار الأحكام الإسلامية، وفي مبادىء الإسلام. وقد كانت الجاهلية هكذا فأنزل الله من الأيات القرآنية وأجرى على لسان رسوله من الأحاديث النبوية مالا يبقى بعده ريب لمرتاب. ومن هاهنا يلوح أن هذا الأمور التي تقع في كثير من الأقطار اليمنية، ويتعارف بها كثير من أهلها، ويعمل عليها امراؤها وقضاتها من تغريم اهل قرية من القرى، أو عشيرة من العشائر جميع ما يقع في حدود بلادهم من قتل، او سلب، أو جناية على بدن أو مال بدون وجود المناط الشرعي وهو القسامة، أو ضمان العاقلة ليست من الشرع في قبيل ولا دبير، ولا ورد ولا صدر.
ومن هذا تضمين أهل القرى المحيطة بالطرق العامة التي يسلك فيها الناس من مدينة إلى مدينة، ومن قطر إلى قطر، فان ذلك بلأحكام الطاغوتية أشبه [٣ب] منه بالأحكام الشرعية.
فان قلت: إذا لم يقع التضمين انقطعت السيل، وذهبت الأموال والأموال والأرواح، وتسلط شرار الناس على خيارهم حتى يرتفع الأمن بالكلية، ولا سيما مع فساد أديان البدوان، وغالب الأعراب المجاورين للطرقات.
قلت: هذا خيال مختل، ووسوسة شيطانية من عدو الله إبليس أراد أن يزحلق بها هذه الأمة من الأحكام الشرعية إلى الأحكام الشيطانية، فان من تأمل أحوال سلف هذه الأمة وخلقها إلى عصرنا هذا وجد التدبير بالقوانين الشرعية ما كان فيه إلا وكانت من الأمن والدعة بمحل لا يساويها فيه غيره، ومن شك في هذا فليتدبر ما كان في هذه الدول