وسائر تلك المدائن العظام فكان يقتل الرجال والنساء والصبيان حتى لا يبقى من أهل المحل صغير ولا كبير، ثمثم يخرب الدور ويغور النهور، ويقطع الشجر، ويهدم المساجد والبيع، والكنائس، فلا يخرج من بلد من البلدان، أومدينة من المدن إلاوقد صارت خاويةليس بها منزل ولا نازل. ثماستمر على هذا الأسلوب حتى دمرأكثر الأرض بطولها والعرض خصوصا بلاد الإسلام، ثم وافاه الحكام، وأراح الله منه أهل الأسلام، فلزم طريقته الملعونة، وتدبير المشؤم الممتلك بعده من أولاده، ثم الممتلك بعدهم من ولد ولده، ومنهم المسمى هولاكو (١) فإنه وصل إلى بغداد وقتل من فيها من الإمام والمأموم والعام والخاص الا من تأخرأجله ففر بنفسه ثم اختفى، ثم اقتفى هذى الطريقة القبيحة والتدبير الكفرى تيمورلنك، فأنه لا يعمل فى تدبير ملكه بغير كتاب الياسا، فدمر جميع الممالك التى وراء النهر، واستأصل بالقتل اكثرأهلها، ثم عطف على ممالك الشام والعراق والروم والهند، وكثير من البلاد، ففعل تلك الأفاعيل، وكان من مرسومه انه اذا فتح قطراً من القطار، اومدينة من المدن الكبار يهدي [٤ب] إليه كل فرد من أفراد جنده رأسين من رؤس بنى آدم بعد أن يقطعها؛ وجنده حوالى ثلاثمائة ألف، وقد تذيد على ذلك، فكانوا يعطفون على من تحت ايديهم من الأسرى والضعفاء وسائر من بقى فيقتلون فى ساعة من النهار نحو ستمائة ألف شخص، وهذا بعد تأمينه للبلد الذي يفتحه، وخروجه منه. وأماعند فتحه قبل تأمينه فلا تذال السيول جارية من دماء المسلمين، وتيمور هذا هو من اعظم الملوك المتقدمين بأحكام الياسا وقوانينه، فأنظر ما فعله واضع هذا الكتاب من إراقة الدماء، وهتك الحرام، وتخريب الديار، وتغوير الأنهار، وقطع الأشجار، وتعميم جميع القطار بالمخاوف الكبار، حتي انقطعت السبل، وتعطلت المدن، وفقر اكثر العالم، وما نشأ عن تدبيره من المصائب، وما لقى به العباد من المتاعب، وكيف صارت الأرض وأهلها بسببه فى أمر مرتج، ثم انظر ما فعله المقتدون به
(١) انظر"البداية والنهاية" لابن كثير (١٣/ ٤٠، ٢٤٧، ٢٥٣).