للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكره في النهاية. ودليل عمرَ فِعْلُ رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ بلغنا نَّ رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حمى النقيعَ (١)، والنقيعُ ما يستنقعُ فيه الماءُ أي يجمع، فإذا جاز التخصيصُ بالحمى للمصلحةِ العامةِ جاز تخصيص النصِّ بالقياس المرسلِ ولا يكون من الملْغَى بل من الملائم، لأنَّ القياسَ المرسلَ ما لم يشهدْ له أصلٌ معيَّنٌ لكنه مطابقُ مقاصدَ الشرعِ الجليلةِ، ونظيرُهُ قتلُ المترس المسلم (٢)، وغايتُه للمصلحةِ، وهو حفظ عامةٍ من المسلمين، وما يحصل من المفسدةباستئصال قطرِهم حتى ينالَ المترسَ بهم ما نال إخوانَهم المسلمينَ، وهو مصادِمٌ للنصوصِ فيت تحريم قتل المسلمِ كتابًا وسنةً، ولم يكن الداعي إلى قتله إلاَّ الضرورة، ورعايةُ المصلحةِ.

وكما فيتحريم نكاحِ الفاجرِ عن الوطئ من يقضي لتركِه، وكما جاز قتلُ الزنديقِ (٣) إذا ظفرنا به ونطقَ بالشهادتينِ، لأنَّا قد علمنا من مذهبهم التقيةَ، وقتلُه بعد قوله: لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حرامٌ لولا الاستنادُ إلى القياس، وهذا قول جماعةٍ من العلماء. وخالفَ فيه كثيرٌ كالمنصور بالله، [ ...... ] (٤) والجصَّاصّ، وغيرهم، كما ذكره في جنة الفصول، لكنْ فيه استظهارٌ، فثَبتَ اعتبارُهُ عندنا، وجاز عن ابن عباس قال: كان الطلاقُ على عهد رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وابي بكر بكر وسنتين من خلافة عمر طلاقَ الثلاثِ واحدةً، فقال عمر رضي الله عنه: "إنَّ الناس قد


(١) النقيع: موضع حَمَاهُ لنعم الفيء وخيل المجاهدين، فلا يرعاه غيرهما. وهو موضع قريب من المدينة، كان يستنقع فيه الماء: أي يجتمع.
" النهاية " (٥/ ١٠٨).
(٢) انظر "المغني" (١٣/ ١٤١ - ١٤٢).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٥٠٥٧) ومسلم رقم (١٥٤/ ١٠٦٦) عن علي بن أبي طالب قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فأين لقيتموهم فاقتلوهم".
(٤) كلمة غير واضحة في المخطوط.