للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحةُ ما ذكره الشرفي ـ عافاه الله ـ من معاصرة القاضي الإمام.

قوله: قال في المقصد الحسن: وإجراءُ المحاجرِ مجرى الأملاك ... إلخ.

أقول: اعلم أن رسالتنا في الحدود الموضوعةِ بين قريتينِ أو أكْثَرَ بحيثُ يكون المستحقُّ من الكلأ والماء لأهل هذه القرية إلى مكان معلوم، ولأهل القرية الأخرى إلى مكانٍ كذلك لا يتعدّى هؤلاء إلى حدِّ هؤلاء، ولا هؤلاء إلى حدِّ هؤلاء.

وأما المحاجرُ فهي في العُرْف غيرُ الحدودِ، فإنها تواطؤُ أهلِ قريةٍ من القرى على أن يمنعون رِعْيانَهم من بعض أوديتِهم أو جبالِهم ليتوفَّر الكلأُ في ذلك المكان، ويكون مدَّخرًا لهم من أيام الخِصْبِ إلى أيام الجَدْبِ، فيرعَونَ فيه سوائِمَهم عند الحاجة إليه. فالذي تكلَّم عليه ابنُ حابس هو هذا، وهو غير الحدودِ التي كلامنا فيها [١أ]. وفَرْقٌ بين المحاجرِ والحدودِ؛ فإن المحاجِرَ ليس فيها المنعُ من الكلأ المباح إلاَّ لمصلحة راجعة إلى الممنوعينَ، وهي انتفاعُهم به في أيام الحاجة إليه، وهو باقٍ لهم مُدَّخَرٌ لمواشيهم بخلاف الحدود بين البلدانِ، فإن وضْعَها لمنع بعض المواضعِ عن البعض الآخرِ منعًا مطلقًا، وتخصيصَ استحقاقِه بالبعض الآخر، وهذا هو المنع الذي تردُّه تلك الأحاديث التي حررناها في الرسالة (١) المذكورة، وهذا الذي يسمونه مَحْجَرًا عُرْفًا هو الذي كانت العربُ تسميه حِمًى، وقد ذكرنا في الوجه الثالث من الأدلة في "عقد الجمان" الأدلةَ القاضية بتسويغه، والقاضيةَ بمنعه، وفرَّقنا بينه وبين الحدود، فلْيُرَاجِعِ الشرفيُّ ذلك ـ كثر الله فوائده ـ وبالجملةِ فكلامُ ابن حابسٍ الذي نقله الشرفي مستدلاً به على ما قاله في تلك الأبحاثِ، مصرِّحًا بأنه لم يقف في المسألة على كلام لأحد من المجتهدينَ سواهُ هو في غير ما نحن بصدده من الحدود، فحينئذ لم يبقَ قائلٌ من أهل الاجتهاد يقول بتسويغ الحدودِ المعروفةِ باعتراف مولانا الشرفي ـ كثر الله فوائده.


(١) رقم (١١٩).