للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول ابن حابس ـ رحمه الله ـ بأنَّ ضربَ الأعلام فيها التي يعتادونَها يوجبُ الملكَ لأنَّ للعُرفِ مجالٌ، وأيُّ مجال، أو من باب النظرُ في تسكين الدهماء!.

فأقولُ: اعلم أن التخصيص بالأعراف (١) للأدلة الشرعية عند مَنْ قال به مختصٌ بالأعراف التي لأهل الشرع عند نزول القرآن الكريم، مع وجود رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ بين ظهرانِيْهم، فما كان من الأعراف بهذه المثابةِ فقد قال قائل من أهل الأصول بصلاحيته، لتخصيص عمومات الأدلةِ الشرعيةِ.

ووجهُ ذلك ما ذكروه من أن الخطاباتِ الواردةِ في التفريعات هي لقوم قد تعارفوا بكذا، فكان المرادُ منها ما استقر في عُرْفِهم، ولكنَّ الحقَّ عندي عدمُ صلاحية العُرْفِ الكائنِ على هذه الصفةِ للتخصيص حسبما قرَّرَتُ ذلك في غير هذا الموطنِ، وهذا في الأعراف الثابتةِ للمخاطبينَ بالخطابات الشرعية عند حدوث الشريعة، وأما الأعرافُ الحادثةُ بعد انقراض الصدر الأول فلا يقولُ قائل بحمل الخطاباتِ الشارعِ عليها، وكيف يقول بذلك والأعراف اصطلاحيةٌ! لكل أحد [١ب] من الناس أن يتعارفَ هو وقومُهُ بما شاء، فإذا حدثَ مثلاً بعد انقطاع الوحي، وموتِ صاحبِ عُرْفٍ لقوم اصطلحوا عليه، فهل يتجاسرُ عالِمٌ على حمل الخطابات الشرعيةِ على هذا العرفِ الحادثِ في الاصطلاح، أو على تخصيص الأدلة الشرعية (٢)

والحقُّ أ، ها لا تخصَّص لأن الحجة في لفظ الشارع وهو عامٌّ والعادةُ ليسن بحجة حتى تكون معارضةً له.

انظر: "تيسير التحرير" (١/ ٣١٧) و"المسودة" (١٢٤ - ١٢٦).؟ وهو شيء اخترعتُه طائفة من الطوائف، وابتدعته


(١) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص٥٣٢): والحقُّ أن تلك العادة إنكانت مشتهرة في زمن النبوة بحيث يعلم أن اللفظ إذا أطلق كان المراد ما جرت عليه دون غيره فهي مخصِّصةٌ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما يخاطب الناس بما يفهمون، وهم لا يفهمون إلا ما جرى عليه التعارف بينهم. وإن لم تكن العادةُ كذلك فلا حكم لها ولا التفات إليها. والعجب ممن يخصِّص كلام الكتاب والسُّنة بعادة حادثةٍ بعد انقراض زمن النبوة تواطأ عليها قومٌ وتعارفوا بها ولم تكن كذلك في العصر الذي تكلم في الشارع فإن هذا من الخطأ البيِّن والغلط الفاحش.
انظر: "البحر المحيط" (٣/ ٣٩٢)، "اللمع" (ص٢١).
(٢) ذهب الجمهور إلى عدم جوام التخصيص بها، وذهب الحنفية إلى جواز التخصيص بها.