للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرقةٌ من الفِرق! هذا هو العجبُ ولو كان صحيحًا لكانت الشريعةُ دائرةً بين الاصطلاحات الحادثة المتجددِّة تابعةً لها، فمن رامَ المخالفةَ لحكمٍ من أحكام الشريعة تواضَعَ هو وقومُهُ على شيء من الأعراف المخالفةِ للشرع، واستراحوا منا لتعب، وألْقَوْا عن أعناقهم ما يثقل عليهم من الشرعيات. فرحم الله ابن حابس كيف جرى قلمُه بقوله: للعرف مجالٌ وأيُّ مجال. وأيُّ مجال لعرفٍ حدث بعد ألف سنة من موت رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ! فإنْ كان يريد العرف في الحِمَى الذي كان ثابتًا في أيام الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فكان يغنيه عن هذا أن يستدلَّ بما أخرجه البخاري، وأحمد، وأبو داود من حديث الصَّعبِ بن جُثامَةَ (١) أن النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حَمَى النقيع، وكذلك أخرجه أحمد من حديث ابن عمر (٢) فما بالُه عوَّل على مجرد العرف. وفي المقام سُنَّةٌ ثابتةٌ.

نعم الأعرافُ محكمةٌ فيما يتجاوزُ به جماعةٌ إذا تكلَّموا بشيء فيما بينهم حمل على أعرافهم، مثلاً إذا حلفَ الحالفُ على شيء حُمل على عُرْف بلده، وكذلك إذا وهب أو ملَّكَ أو نحو ذلك. وأما حمل الخطابات الشرعية على [الأعراف] (٣) الحادثة فهذا لم يقل به أحدٌ من المسلمين، وما ذكره أهل الأصول في العرْفيات العامَّة، والعرفيات الخاصَّة، فهو مرادٌ به ما ذكرناه.

وأما قول ابن حابس: أو من باب النظر في تسكين الدَّهْمَاء.

فأقولُ: قد قررنا في تلك الرسالةِ (٤) أنَّ هذه الحدود صارت من أعظم أسباب الفتنِ


(١) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(٢) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(٣) مكررة في المخطوط
(٤) رقم (١١٩).