للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمِحن، وأوضحنا ذكل بما لا مزيدَ عليه، فليس في الحدود إلا إثارةُ الفتن وتحريكُ الدهماء، وإراقة الدماء، وتهييج الشحناء، فإن التبسَ [٢أ] عليك هذا فها نحن نوضح لك الأمر في صورة معلومة عند كل أحد، وهي أن أكثر ما يحدث من الفتن بين الناس إنما يكون بعد قسمة الحدود بخلاف المشركين في الحدود، فإنك لا تجدُ بينَهم شيئًا من الفتن.

ومن تتبع هذا بالاستقراء على أن الشر كل الشر في مخالفة الشريعة بضرب الحدود التي أفضتْ إلى منع ما جعله الله شرِكَة بين عباده، في جميع بلاده، على لسان رسوله. ومن التبسَ عليه هذا فلْيسْألْ سُكان البوادي عن الفتن الحادثة في محلِّهم، هل هي بينهم وبين من قد ضُرِبَت بينهم الحدود، أو بينَهم وبين من لم يضرب بينهم الحدود؟ فإنه لا محالة سيخبرونه بأن هذه الفتن المشتعلة نارُها ليست إلا بينهم وبين من قد ضربت بينَهم الحدود في جميع البلاد. وهذا لا يكاد يلتبس عند من مارس أحوال الناس أدنى ممارسة.

قوله: هذا قول حسنٌ، وقد ورد في هذا حديثان:

أحدُهما: "المسلمون شركاء في ثلاث" (١).

والثاني: "من سبقَ إلى ما لم يُسْبَقْ إليه" (٢). [و] (٣) قد ذكرتُ في الرسالة (٤) الكلامَ عليه، وتصحيح بعض الحُفَّاظ له، وقد جعله الشرفي ـ عافاه الله ـ هاهنا دليلا للكلام الذي قدَّمه عن ابن حابس، ولا يخفى أن كلامَ ابن حابس ليس هو في مسألة السؤال التي أجبنا عليها، بل هو المحاجر التي هي الحمى كما قدمنا.


(١) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
(٢) تقدم تخريجه وهو حديث ضعيف.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) رقم (١١٩).