للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التحجُّرُ بالمنعُ.

أقولُ: صرَّح بقلمه ـ كثر الله فوائده ـ في هامش النسخة التي بخطِّه أن كلامَه هذا فيه إشارةٌ إلى تنبيه النصِّ، ولا أدري كيف جرى قلمُه ـ عافاه الله ـ بهذا واين مسلكُ تنبيه النصِّ من هذا؟ ومن أين فهم تنبيهَ النصِّ؟ وكان الأَوْلَى له التعويلَ على تخريج المناط (١) أو تنقيحَ المناط (٢)؛ فهو أقربُ إلى ما نحن بصدده من تنبيه النصِّ وإن كان الكلُّ غيرَ صحيحٍ. وهَبْ أنَّ العلَّة هي التضرُّر إما بتخريج المناط، أو تنقيح المناط، فمن أين للشرفي أن التضرُّر بالتحجُّر قد زال بعد انقراض ألف سنةٍ من الهجرة؟ وما الذي دلَّه هذا؟ فإن التضرُّر الكائن في أيام النبوة وما بعدَها كائنٌ في الأزمنة المتأخرة [٥أ]، اللهم إلاَّ أنْ يبرزَ برهانًا نقليًا أو عقليًا أن ضرر التحجُّر قد ارتفعَ في هذه الأزمنة، ولا سبيل إلى ذلك فإن الأرض في هذه الأزمنة هي على ما كانت عليه في الأزمنة الأولية لم تتسعْ، ولا زاد نباتُها، ولا تدفَّقت أنهارُها، بل النقصُ حاصلٌ في آخر الزمان كما دلّت على ذلك الأدلةُ وشهد به التجريبُ، فما بال أقلّ الأزمنةِ خِصْبًا، وأكثرها جَدْبًا! وهو آخر الزمان ارتفعَ فيه تضر الناس بالتحجُّر بعد أن كان موجِبًا للضَّرر.

قولُه: وقد فهم عمرُ بن الخطاب ... إلخ.

أقولُ: فَهْمُ عمرَ إن خالف النصوصَ ليس بحجةٍ (٣) على أحد من الناس كما هو المذهب الحق، واجتهادُه لا يلزمُ غَيْرَهُ على أنه يمكن أن يكون مستندُهُ هو ما قدمنا من فعله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ، ثم هَبْ أن عمرَ حَمى ذلك لما فهمه من النصوص


(١) تقدم توضيحه.
(٢) تقدم توضيحه.
(٣) تقدم "بيان أن قول الصحابي في مسائل الاجتهاد ليس بحجة على صحابي آخر وأما على من بعد الصحابة من التابعين فذهب الجمهور على أنَّه ليس بحجة مطلقًا. وذهب المالكية وأكثر الحنابلة وبعض الحنفية والشافعي في القديم أنه حجةٌ شرعية مقدمة على القياس. وقيل: ليس على إطلاقه ـ بأنَّه ليس بحجة ـ بل فيه تفصيل. وقد تقدم.
انظر تفصيل ذلك: "البحر المحيط" (٦/ ٧٢). "شرح صحيح مسلم" للنووي (١/ ٣٠).