للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُه: بل موافقةٌ لأنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قد اعتبر المصلحةَ.

أقولُ: قد قدمنا الجوابَ عن هذا، وأما ما ذكرهُ ـ عافاه الله ـ من الإقطاع فبابٌ آخَرُ خارج عن البحث، لأن الإقطاعَ تمليكٌ (١) لما لم تثبتْ عليه يدٌ، وهذا لا يخفى على مثلِهِ ـ دامت إفادته ـ.

قوله: لأنَّ كلَّ واحد قد رضي بما يليه.

أقولُ: فإذا طلبَ هذا رضيَ الرجوعَ إلى حكم الله، أو طلبَهُ من بعده ممن لم يكن موجودًا حالَ الرِّضى، هل يُجابُ إلى حكم الله أم يقال له: لا سبيل لك إلى ذلك لأنَّ فلانًا الذي هو أبوك أو جدُّك أو أعلا من ذلك قد رضي؟

فإن قلتم: يُجابُ فهو مطلوبُنَا، وإن قلتم: لا يُجابُ فما الدليلُ؟ هذا على تسليم أنَّ للرضى تأثيرًا في الجواز، وهو ممنوع، فإن الذي رضي لم يرضَ بشيء بملكه ولا يستحقُّه، بل رضي في شيء هو مشتركٌ بين المسلمين أجمعينَ بحكم رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ، فلا تأثيرَ لرضائه، وهذا لا يخفى على الشرفي ـ عافاه الله [٨ب].

قوله: فالذي فهمنا من تنبيه النصِّ ... إلخ.

أقول: قد قدمنا الجواب عن هذا فلا نعيده.

قوله: ولهذا جرت عادةُ الناس بمنع الدخول إلى آبارهم وبساتينهم.

أقولُ: إن كان الاستدلالُ بمجرد جَرْيِ عادة الناس فليس العادةُ بشريعة تُتَّبَعُ، وما هذه بأولِ مسألةٍ خولفت فيها الشريعةُ كما قال العلامة جار الله في الكشاف، وكم باب من أبواب الشريعة قد صار لترك العملِ به كالمنسوخ، هذا على فرض شمول الشركة المنصوص عليها لما ذكر، وعدمِ وُجْدَانِ ما يفيدُ جوازَ المنع، لأن البساتينَ مملوكةٌ، وللمالك منعُ غيرِه عن استعمال مُلْكِهِ، وكذلك البئر مملوكةٌ، والشركةُ إنما هي في مجرّدِ الماء، ولهذا وقع في كتب المذهب الشريف أنه يمنعُ الداخل إلاَّ بإذن، والآخذُ على وجه يضرُّ، فتلك العادةُ الجاريةُ بالمنع هي لأجل الملك، لا لأجل الشيء المشترك كالماء، فأين غرب هذا عن مولانا الشرفي ـ عافاه الله ـ؟.

قولُه: فما أدري من أين التخصيصُ القاضي ـ عافاه الله ـ.

أقولُ: لم أخصِّصْ، بل أحكمُ بالشركةِ في الثلاثة الأشياء التي حكَمَ بالشركة فيها رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ، وإنما اقتصرتُ على الكلام في الكلأ لأنَّ السؤال ورد فيه، فَمِنْ أين للشرفيِّ أني خصَّصْتُ؟ وما ذاك في كلامي يدلُّ على ما ادَّعاه.

قولُه: وأنا أضربُ له مثالاً، لو كان عشبٌ بين رجلينِ

إلى آخر كلامه.

أقولُ: إذا حُكِّمْتُ في مثل ما ضربَهُ من المثلِ قلتُ: للجميع ارْعوا جميعًا، ومن سبقت غنمُهُ إلى موضعٍ لم يحلّ للآخر أن يطرُدها عنه، وأعرّفُهم بأن هذا الحكم هو الذي جاءت به الشريعة المطهرة، وحينئذ لا يثور من الشر شيء، ولا يجري بينَهم فتنةٌ [٩أ] قطُّ، فإن جرت من بعض شياطينهم أملينا عليهم قول الله عز وجل: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (٢) فما في هذا المثال الذي ضربَهُ الشرفين إشكالٌ، ولا يَعْيي عن الحكم فيه عالمٌ بالمسالك الشرعيةِ، ولكني أضرب للشرفين مثالاً مقابلاً لمثاله فأقول: لو قالتْ إحدى الطائفتين في مِثْلِ الصورةِ التي ذكرها نحن المختصونَ بهذا الوادي، ولا حق لغيرنا فيه: فقال الواردُ عليهم بسائمتِه: يا قومِ، هذه سائمتي قد أعوزَها أمرُ الكلأ، ولم أجدْ في غير هذا الوادي ما يسدُّ جَوْعَتَها فاتركوني أرعى معكم، فالوادي واسعٌ، والخير عن غير شاسعٌ، فهذه سائمتي قد شارفتِ الهلاكَ جوعًا، وهو يكفيكم جانبًا من جوانبه، وهذه سائمَتُكُم في جزء من أجزائه، فقالوا: لا سبيلَ لك إلى ذلك، وإن ماتت سائمُتك، لأن هذا حدُّنا قدمنا فيه رَقْمَ حاكم يشتملُ على ما يخالِفُ حُكم أحكم الحاكمين، فما ذاك الشرفيُّ في مثل هذا،


(١) انظر "المغني" (٨/ ١٥٣).
(٢) [الحجرات: ٩].