للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هل يُطْرَدُ الوافدُ بماشيته ويدعها تموت دون المرعى؟ أم كيف يصنع؟ ثم إنّ الشرّ ـ لا محالة ـ يهيجُ بسبب المنع لا سيّما عند الحاجة على الصفة المذكورة، فمَنِ الباغي ومن المبْغِيُّ عليه؟ ومَنِ المحقُّ ومن المبطلِ؟

قولُه: فما أرى هذه الحدود إلا من جنس إقطاع ما لم يسبق إليه مسلم.

أقولُ: هذا فاسدٌ، فإن الإقطاعَ هو التمليكُ لجزء من الأرض من رسول الله، أو من الخلفاء الراشدين، وهذا ليس بتمليك، بل ليس بتحجّر يوجدُ مجرد ثبوت الحق كما قدمنا [٩ب]، فَلْيُعِدِ الشرفيُّ ـ عافاه الله ـ النظرَ، فمثل هذا لا يخفى على ذهنه السليم.

قوله: هذا فرضُ ما لم يقعْ ولا سمعَ به.

أقول: بل قد وقع التصريحُ بذلك، والاستدلالُ به من بعض متأخري العلماء، وذكره السائل ـ عافاه الله ـ في سؤاله الذي أجبنا عليه بالرسالة.

قوله: فقد أخذ العلماءُ منه أحكامًا ـ إلى قوله ـ وأخذوا من قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} (١) أنه ينبغي تعظيم العلماء ... إلخ.

أقولُ: هذا الأخذُ لا تدعو إليه حاجةٌ، لأن السجودَ الذي هو معنى الآية قد دل الدليلُ القاطعُ على عدم جوازِهِ، ومجردُ التعظيم للعلماء قد أفادتْه آياتٌ قرآنيةٌ (٢)، وأحاديثُ نبويةٌ (٣). هذا على فرض أن مثلَ هذه الآيةِ من جنس ما ذكرناه وليس الأمرُ


(١) [البقرة: ٣٤].
(٢) منها قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩].
ومنها قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١].
ومنها قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨].
(٣) (منها): عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ ما بعثني الله به من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبةٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفةٌ منها إنَّما هي قيعانٌ، لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلت به"
أخرجه البخاري رقم (٧٩) ومسلم رقم (٢٢٨٢).
(ومنها): ما أخرجه البخاري رقم (٧١) ومسلم رقم (١٠٣٧) من حديث معاوية قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين".
(ومنها): ما أخرجه البخاري رقم (٧٣) ومسلم رقم (٨١٦) من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا حسد إلا في اثنتين رجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجلٌ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها".