للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثل ذلك افتراقُ الكلمةِ. وهذه الآيةُ الشريفةُ قد كتبنا على كلام صاحب الكشافِ في تفسيرها رسالةً سميناها "فتحُ القديرِ في الفرق بين المعذرةِ والتعزيرِ" (١) جوابًا عن سؤال بعض أعلام العصرِ.

قولُه: فإن استحسنَ ذو الولاية ... إلخ.

أقول: هذا الكلامُ ينبغي لمولانا الشرفيّ ـ عافاه الله ـ الضربُ عليه، ومَحْوُهُ عن وجه القرطاس، وإعدامُهُ من حيِّز الوجود، وكيف يقول: إنه لا حرجَ عليه في ذلك! وأيُّ حَرَجٍ أعظم من أحذ مال امرئ مسلم بلا قرآن ولا برهان: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (٢)، "لا يحلُّ مالُ امرئ مسلمٍ إلاَّ بطيبةٍ من نفسه" (٣).

وأما الاحتجاج على هذا الأصل العظيم بما ذكره من استحسان عمر فما لنا ولعمر، ومن عمر ـ رحمه الله ـ حتى تعارض باستحساناته نصوص القرآن والسنة! وأما عدم الإنكار عليه فالمجال مجال اجتهاد، وليس من مواطن الاعتراض، ولو فرض غير ذلك فعمر رضي الله عنه هو الذي يقول فيه ابن عباس (٤): كان رجلاً مهيبًا فهبته.

وقد تقرر في الأصول أن الإجماع السكوتي (٥) مشروط بشروط: أحدها اطلاع الكل من أهل [١١أ] الحل والعقد على مقالة القائل، ومنها عدم المانع من المخالفة، ومنها كون


(١) ستأتي الرسالة برقم (٢٠٦) من الفتح الرباني.
(٢) [النساء: ٢٩].
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم ذكره.
(٥) الإجماع السكوتي: وهو أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول وينتشر ذلك في المجتهدين من أهل ذلك العصر فيسكتون ولا يظهر منهم اعتراف ولا إنكار وفيه مذاهب:
١ - أنه ليس بإجماع ولا حجة، قاله داود الظاهري. وقيل: إنه نص الشافعي في الجديد.
٢ - أنه إجماع وحجة وبه قال جماعة من الشافعية وجماعة من أهل الأصول.
انظر: "البحر المحيط" (٤/ ٥٠٨)، "الكوكب المنير" (٢/ ٢٥٨).