للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يومُ الجمعة ذكرتُم ـ متع الله بكم ـ أنَّ أحاديثَ النَّهي مرجوحةٌ، فأوجب ذلك البحث عن المسألة، فإذا هي أطول المسائل ذيلاً، وأوسعِها اختلافًا وتهويلاً، قدِ اضْطَربتْ فيها أقوالُ السلفِ والخلَفِ اضطرابًا شديدًا، ومع هذا فلم تحصلِ الأُنسةُ بواحدة من تلك الأقوالِ، بل أوجب المشيُ مع الأدلة الاغترابَ والاعتزالَ، لا إلى حد يكون المصيرُ إليه في صورة الخروج عن الإجماع، واطَّراح الحِشْمَةِ عن سنة الاقتداء والاتباعِ.

وقد سردتُ في هذا القرطاسِ جميعَ ما أمكنَ حَصْرُه من الأقوال، وتعقَّبتهُ بما خطر بالبال من قيلٍ وقالٍ، ثم انثنيتُ أحرَّر ما ظننتُه راجحًا، وخِلْتُهُ صحيحًا واضحًا، والقصدُ كلَّ القصدِ عَرْضُ الجميع على نظركم، والاتباع لما صحَّ، فأفضلوا بإمعان النظرِ ـ جعلكما لله ملاذًا لكل ملتاذ ـ آمين.

وجملةُ ما عثرتُ عليه من الأقوال في هذه المسألةِ سبعةٌ:

الأول: المنعُ من المخابرة مطلقًا، والذاهبُ إلى هذا القول جماعة من الصحابة، والتابعينَ، وأهلِ البيت، والفقهاء، وتمسكوا بحديث: "أنَّ النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ نهى عن المخابرة" رواه البخاريُّ (١)، ومسلمٌ (٢)، وأبو داود (٣)، والترمذيُّ (٤)، والنسائيُّ (٥). وبحديث جابرٍ قال: كان لرجالٍ منَّ فضولُ أرضينَ، فقالوا: نؤاجرُها بالثلثِ أو الرُّبعِ أو النِّصفِ، فقال رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "من كانت له أرضٌ فليزرعُها أو ليمنحْها أخاه، ولا يؤاجرِْها إياه، ولا يُكْرِهَا" قال في التيسير: أخرجه ............................


(١) في صحيحه رقم (٢٣٨١).
(٢) في صحيحه رقم (١٥٣٦).
(٣) في "السنن" رقم (٣٤٠٤ و٣٤٠٥).
(٤) في "السنن" رقم (١٢٩٠).
(٥) في "السنن" رقم (٣٨٧٩، ٣٨٨٠).