للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا بحثُ شيخِنا العلَمِ، والجوابُ عليه قد تقدَّم قبلَه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذي ميَّز لنا في المعاملات الحلالَ من الحرامِ، كما فصَّل لنا في العباداتِ جميعَ الشرائعِ والأحكامِ، نحمدُه على حُسْنِ معاملتِه، وسوابغ إنعامه، وجزيل امتنانه. والصلاةُ والسلام على مَنْ خاطبَ الله العبادَ على لسانِهِ بـ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (١) تفخيمًا لشأنه وبعدُ:

فإني تصفَّحْتُ ما حرَّرَهُ الصفيُّ العلامةُ فخرُ الأوانِ، ونبيلُ الأقران محمدُ بنُ عليٍّ الشوكاني ـ لا برح في خلال المحامد ـ، رفيع المباني، مستمدًا من بحر علمه، ومَعينِ تحقيقه القاصي والداني في مسألة المخابرة (٢)، وما سَرَدَهُ من أقوالِ العلماء فيها، وإيرادُ حُجَّةِ كلِّ قائلٍ، وما يَرُدُّ عليها، وما ختَمَ به البحثَ مما تفردَ بالمصير إليهِ، فأجاد كل الإجادة، كثر الله فوائده، وشكر سعيه، وجعلني وإياه ممن آثر كلامَ معلّم الشرائع على مَنْ سواه، ولزم هديَهُ. إلاَّ أنَّه لما خُيِّلَ لفهمي القاصر أنَّ الأظهرَ في المقامِ هو المنعُ من المخابرةِ كما هو رأيُ أهل القولِ الأولِ، بمقتضى الأدلةِ التي ساقَها لهم، بعضُها تصريحُ النهي، وبعضُها بما يلزم منه النهيُ عنها، وبعضُها بالوعيدِ على مَنْ يدعْها.

وكان الذي ظهرَ له لم يخلُصْ إلى المنعِ منها مطلقًا، حتى يرتفعَ الخلافُ من البيِّنِ، ويطمئنُّ الخاطرُ باتحاد القولينِ، وتتحققُ فيما بيني وبينَه في ذلك المخابرةُ، ويستريحُ كلّ منا عن نسبةِ ما قاله الآخَرُ إلى المكابرةِ، أحببتُ مراجعتَه بما سَنح لي في هذا القِرطاسِ، فإن يكنْ صوابًا فهوَ الباعثُ عليه من حيثُ إنّ رسالتَه في ذلكَ هي الأساسُ، وإن يكن خطأً فالمأمونُ من كريمٍ سجاياهُ التنبيهُ على ذلكَ، والإيضاحُ بما يزيلُ الالتباسَ.


(١) [الحشر: ٧].
(٢) هذه الرسالة التي عليها هذه المناقشة لم تكتب في المجموع (١) بل كتبت في المجموع رقم (٢) وقد تقدمت برقم (١٢٢).