للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع السلوك معهُ تولاَّه الله في مرجوحية ما عدا القولَ الأولَ، وما رجَحَ لهُ في المسألة آخرًا لا حاجةَ بنا إلى الكلامِ على كّ [قولٍ] (١)، من بقية الأقوالِ، وما أورده عليها إذ هو تطويلٌ بما لا طائلةَ تحتَه، ولمَّا كان الأظهرُ في ظنِّي هو القولُ الأولُ لم يكن لي غرضٌ من هذا الرَّقْمِ إلاَّ ذِكرَ ما يؤيدُه، ودفعَ ما يَرُدُّ عليهِ، لكنه استدعى ذلك بيانَ مدلولِ لفظِ المخابرةِ، ليتضحَ ما هو المقصودُ بالنهي من النواهي الصريحةِ المطلقةِ عن التفسير من الراوي، فانحصر مقصودي في بحثينِ:

الأولُ: في بيانِ مدلولِ لفظِ المخابرةِ، وهل هو متَّحدُ المعنى أو متعدِّدُهُ، حقيقةً أو مجازًا.

الثاني: في دفع ما أورد على القولِ الأولِ.

البحثُ الأول: في بيان لفظ المخابرة، أقول: هاهنا أنواعٌ من المعاملةِ أُطْلِقَ لفظُ المخابرةِ، النوع الأول، إكراءُ الأرضِ بنصيبٍ معلومٍ من غِلَّتها كما وقعَ [١٣] في أراضي خيبرَ، فهذا النوعُ هو المسمَّى بالمخابرةِ حقيقةً، سواءٌ أَطْلقَتْ، أو قيِّدت بشرطٍ أيّ شرطٍ؛ إذ استعمالُ العامِ في الخاص من حيث إنه فردٌ من أفراده حقيقة.

الثاني: بيعُ الكُدُسِ؛ وهو بيعُ ما جُمِعَ من الطعامِ بكذا وكذا صاعًا، كما وقع في حديث جابرٍ (٢).

الثالث: إكراءُ الأرضِ بما يكون على السواقي (٣) والماذيانات، وفي معناه إكراءُها على أن يكونَ لربّ الأرض هذه، وللأجير هذه.

الرابع: المحاقلةُ (٤)، وهي إكراءُ الأرض بالحنطة. فهذه أربعة أنواع من المعاملة قد أطلقَ عليه لفظ المخابرة. الأول منها حقيقة، وما سواهُ مجازٌ؛ إذ لا يتبادرُ عند الإطلاقِ


(١) كلمة قول مكررة في المخطوط.
(٢) كلمة قول مكررة في المخطوط.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٥٤٨).
(٤) تقدم ذكر الحديث.