للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلاَّ المعنى الأول، والمتبادَرُ علامةُ الحقيقةِ، قال في القاموس (١): المخابرةُ أن يزرعَ على النصفِ ونحوِه، وفي النهاية (٢): ونَهَى عن المخابرةِ قيل: هي المزارعةُ على نصيب معيَّنٍ كالثُّلثِ، والرُّبُعِ، وغيرِهِما. وقيلَ أصلَ المخابرةِ من خيبرَ، لأن النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ أقرَّها في أيدي أهلها على النصف من محصولِها، فقيل خابرَهُم، أي: عاملَهم في خيبرَ انتهى، لا يقالُ يكونُ حقيقةً في الكلّ على جهة الاشتراك، لأنّا نقولُ: القاعدةُ الأصوليةُ (٣) إذا تردَّدَ اللفظُ بين المجازِ والاشتراكِ فحملُه على المجازِ أوْلى لوجوهٍ ليسَ هذا موضعَ ذِكْرِها.

إذا عرفتَ هذا فمتى أطلق لفظُ المخابرةِ، ولم يفسِّرْهُ الراوي كما وقع في أكثر الروايات، فإنما ينْصَرِفُ إلى مسمَّى المخابرةِ حقيقةً، وهو النوع الأول، وإذ الأصلُ الحقيقة.

فإن قلتَ: الجميعُ منهيٌّ عنه فلا ضيرَ في فَهْمِ جميعِ الأنواعِ المذكورةِ من نحوِ نهي عن المخابرة.

قلتُ: ذلك مع كونِه مُسْتَغْنَى عنهُ بقيامِ الأدلةِ المانعةِ من كل منها خلطٌ بين الحقيقةِ والمجازِ، ولا ما يخفى ما فيه النزاع. لا يقالُ النَّهيُ عن المخابرة محمولٌ على الكراهةِ كما ذهبَ إليه أهلُ القولِ السادسِ مطلقًا، وكما ذهب إليه صاحبُ الرسالة (٤) في مثل المخابرةِ الواقعةِ في حينِه، أما على مذهبِ مَنْ يقولُ: النهيُ حقيقةٌ في الكراهةِ فظاهرٌ،


(١) (ص٤٨٨).
(٢) (٢/ ٧).
(٣) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص١٢٣ - ١٢٤) بعد أن ذكر أقوال العلماء في ذلك.
والحقُّ أن الحملَ على المجاز أولى من الحمل على الاشتراك لعلية المجاز بلا خلاف والحمل على الأعم الأغلب دون القليل النادر متعيِّنٌ.
وانظر: "البحر المحيط" (٢/ ٢٤١) و"المحصول" (١/ ٣٥١).
(٤) انظر الرسالة رقم (١٢٢).