للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما على القولِ بأنّه حقيقةٌ في التحريم فالمراد عند عدمِ القرينةِ. وهاهنا القرينةُ فعلُه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في خيبر، لأنّا نقولُ: القولُ بأنَّ النهيَ حقيقةٌ في الكراهة مذهبٌ مرجوحٌ. ولو سُلّمَ فالقائل بذلك إنما يقولُ به في مقام لا قرينة في فيدل على إرادة التحريم. وهنا قد وُجِدَتْ؛ وهي قوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "من لم يذَرِ المخابرةَ فليأذن بحرب من الله ورسولِه" (١) فإنه أفاد هذا الوعيد أنّ النّهي في سائر الروايات مرادٌ منه التحريمُ، ودعوى كونِ ذلكَ مبالغةً في شدةِ الكراهةِ خلافُ الظاهرِ، لا يقولُ به منصفٌ.

البحث الثاني: في دفْعِ ما أوردَهُ صاحبُ الرسالة على القولِ [١٤].

قوله: هذا وأنتَ خبيرٌ بأن القولَ الأولَ أعني: اختيارَ المنعِ مطلقًا يدفعُهُ موتُ رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وهو معاملٌ لأهلِ خيبرَ.

أقول: هذا الفعلُ الصادرُ منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ معلومٌ أنه ليس جِبِلِّيًّا، ولا بيانًا، لكنه يقالُ: لِمَ لا يكونُ خاصًّا؟ ودليل الخصوصية صرائحُ النهي لمن سواه، وفعلُ غيرها ليس بحجَّةٍ سلَّمنا أنه خصوصيةٍ فكونُ مطلقِ الفعلِ حجَّةً بحل النزاع. قال العلامة ابنُ الإمام: اختُلِفَ في فعلِ الرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ وهو هو دليلٌ شرعيٌّ على ثبوت مثل ذلك الفعل الواقع في خيبرَ، بوجوه من التأويلات [في حقبا] (٢) أم لا انتهى، سلّمنا فإنّما يكون حجّةً إذا لم يكن له مَحْمَلٌ غيرَ التشريعِ، وقد يُؤَوَّلُ ذلك الفعلُ الواقعُ في خيبرَ بوجوهٍ من التأويلاتِ، ودعوى أنها متَعَسَّفَةٌ متناقضةٌ خاليةٌ عن برهانٍ سلّمنا، فالواقعُ منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ إنما هو مع يهود خيبر في أراضي مُلِكَتْ بنوعٍ من التملُّكاتِ، فيُقْتصَرُ على ما وردَ ويكونُ ذلك الفعل دليلا على جواز مثله في أرض مُلِكت كذلك مع مَنْ هو بتلكَ الصفةِ. سلّمنا فإثباتُ ذلك الحكمِ


(١) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (٣٤٠٦) وهو حديث ضعيف.
(٢) كذا في المخطوط غير واضحة ولعلها [في حقنا].