للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثبتَ، وقولُه (١) ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في خطبة حَجَّةِ الوداعِ: "هل بلّغتُ؟ " قالوا: نعم، قال: "فَلْيُبَلّغِ الشاهدُ منكمُ الغائب" انتهى، وقد عرفتَ أن القياسَ في مقابلةِ النصِّ مُطَّرَحٌ.

وقوله: حكميٌّ على الواحدِ إلخ، حديثٌ فيهِ مقالٌ مشهورٌ، فكيف يُسْتَنَدُ إليه! وتُهْمَلُ عموماتُ صرائحِ النهي في الأحاديثِ الصحيحةِ، وأما قولُه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "فَلْيُبَلِّغِ الشاهدُ منكم الغائب"، فالمُراد يبلغُ الشاهدُ ما وقعَ في تلك الخطبةِ، أو ما سمعهُ من الأحكامِ بقرينةِ قولِه في آخرِ الحديثِ: "فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع" وعلى التقديرينِ لا يفيدُ المطلوبَ.

قوله: ودعوى النسخِ باطلةٌ بموتِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [١٥]ـ على بُعْدِ هذهِ المعاملةِ.

أقول: لم يسبقْ منه نسبةُ هذه الدعوى لأهلِ القولِ الأولِ في مقامِ الاستدلال لهم، حتى ترتَّبَ إبطالُها عليه هاهنا، وعلى فرض صدورها منهم هي لا تتمُّ كما ذكرهُ لكنْ مع ما ذكرنَاهُ لا حاجَة إليها، إذا عرفتَ هذا علمتَ ما في الاحتجاجِ بالفعلِ الصادرِ منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في مثل هذا المقام، وكذلك ما صدر من بعض الصحابة في زمنه، وحينئذٍ يتعيَّنُ المصيرُ إلى القولِ. وبهذا يندفعُ ما أوردَ على القولِ الأولِ.

هذا وأنتَ إذا تحقَّقتَ ما سقته في هذين البحثين خصوصًا التالي عرفت موجوحية ما سوى القول الأول على الإطلاق، وأن قول من وُجِّه إليه هذا الخطاب، والذي ظهر للحقي تحريم كل مخابرةٍ وتفصيله لهذه الكلية بذكر كل نوع بدليله كلامٌ مسلّمٌ مرضيّ، وأن قولَه: ويبقى الإشكالُ في تأجير الأرضِ بشطرٍ معلومٍ من الثمرة من ثُلُثٍ، أو رُبُعٍ، أو نحوِ ذلكَ. وساقَ الكلام حتى حمل النهي النواهي القاضية بالتحريم المدفوع عنها احتمال الكراهة بذلك الوعيد الشديد على خلاف ظاهرها كما هو مذهب الأكثر كلامٌ


(١) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٤٧/ ١٢١٨).