للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: قولُ الله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (١) والمأتيُّ به أعمُّ أن يكون قولاً، وفعلاً، وقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}: [الأحزاب: ٢١]. (٢): أفعال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنقسم إلى سبعة أقسام:

١ - ماكان من هواجس النفس وحركات البشرية كتصرُّف الأعضاء وحركات الجسد فهذا القسم لا يتعلق به أمرٌ باتباع ولا نهيٌ عن مخالفته وليس فيه أسوة ولكنه يفيد أن مثل ذلك مباح.

قال سبحانه وتعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٣].

٢ - ما لا يتعلق بالعبادات ووضح فيه أمر الجبلة، كالقيام والقعود ونحوهما فليس في تأس ولا به اقتداءٌ ولكنه يدل على الإباحة عند الجمهور.

٣ - ما احتمل أن يخرج عن الجبلة إلى التشريع بمواظبته عليه على وجه معروف وهيئةٍ مخصوصة كالأكل والشرب واللُّبس والنوم فهذا القسم دون ما ظهر فيه أمر القربة وفوق ما ظهر في أمر الجبلة على فرض أنَّه لم يثبت فيه إلا مجرَّد الفعل، وأما إذا وقع منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإرشاد إلى بعض الهيئات كما ورد عنه الإرشاد إلى هيئة من هيئات الأكل والشرب فهذا خارج عن هذا القسم داخل فيما سيأتي.

٤ - ما علم اختصاصه به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالوصال والزيادة على أربع فهو خاص لا يشاركه فيه غيره.

٥ - ما أبهمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لانتظار الوحي كعدم تعيين نوع الحج مثلاً، فقيل يقتدي به في ذلك وقيل لا.

٦ - ما يفعله مع غيره عقوبة له كالتصرف في أملاك غيره عقوبةً له اختلفوا هل يُقتدى به فيه أم لا فقيل يجوز وقيل لا يجوز وقيل هو بالإجماع موقوف على معرفة السبب، وهذا هو الحقُّ فإن وضح لنا السبب الذي فعله لأجله كان لنا أن نفعل مثل فعله عندوجود مثل ذلك السبب وإن لم يظهر السبب لم يجز، وأمَّا فعله بين شخصين متداعيين فهو جار مجرى القضاء فتعين علينا القضاء بما قضى به.

٧ - الفعل المجرد عما سبق، فإن ورد بيانًا كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي" فلا خلاف أنّه دليلٌ في حقنا وواجبٌ علينا وإن ورد بيانًا لمجمل كان حكمه حكم ذلك المجمع من وجوب وندبٍ كأفعال الحج وأفعال العمرة وصلاة الفرض وصلاة الكسوف.

وإن لم يكن كذلك بل ورد ابتداءً، فإن علمت صفته في حقه من وجوب أو ندب أو إباحة فاختلفوا في ذلك على أقوال:

الأول: أن أمته مثله في ذلك الفعل إلا أن يدلُّ على اختصاصه به وهذا هو الحقُّ.

الثاني: أن أمته مثله في العبادات دون غيرها.

الثالث: الوقف.

الرابع: لا يكون شرعًا لنا إلا بدليل.

وإن لم تعلم صفته في حقه وظهر في قصد القربة فاختلفوا فيه على أقوال.

انظر: "البحر المحيط" (٤/ ١٨٠)، "المحصول" (٣/ ٢٢٩)، "إرشاد الفحول" (ص١٥٧ - ١٦٥) "المعتمد" (١/ ٣٤٨).


(١) [آل عمران: ٣١] وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}: [الحشر: ٧].
(٢) ورجوعُ الصحابةِ إلى فعلِه من غير تصحيحِ باب دونَ بابٍ، وأبحاثُهم لكثيرٍ من الواجباتِ بمجردِ فعلِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ لها مما يشهدُ بأن فعله