للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن معناه لغةً كذا وهو غيرُ المُتنازع فيه.

هذا إذا استدل خصمُك مثلا بدليل من السنة. وإن استدل مثلاً بالإجماع (١) فتقول: لا أسلِّم الإجماعَ، وحينئذ يكون عليه بيانُ الإجماع وإلا كانت الدائرة عليه. وإذا أوردتَ أقوال العاملين بخلاف ما ادَّعى الإجماعَ عليه كان ذلك من باب بيان المنع والأخذ في المعارضة، فاعرِفْ أن نقْلَ أقوال القائلين إنما يُورِده المناظِر على من ادعى الإجماع، وأما من اعترف بالخلاف في محل النزاع فلا يليق بعارف أن يورد عليه أقوال الرجال لأنه أورَد عليه ما هو مُعترفٌ به.

نعم يُلحق بدعوى الإجماع دعوى إجماع أهل مذهبٍ من المذاهب أو طائفةٍ من الطوائف فإنه إذا اعترض عليه بنقل أقوال بعض أهل ذلك المذهب أو تلك الطائفة كان مقبولاً، وأما إذا أوردت َ الأقوال على من لم يدَّعِ أحدَ ذيْنَك الأمرَين فلا ريب أن نقلها نوعٌ من اللغو والعَبثِ الذي لا طائل تحته، بل هو مستنكرٌ عند مَن كان من صغار الطلبة ألا تراك لو سمعتَ قائلاً يقول: الإمامُ المهديُّ يقول بوجوب الاعتدال بين السجدتين فعند ذلك سمعت آخر يقول له: أخطأتَ قد يقول بوجوب الاعتدالِ مثلا الناصر ـ أما كنتَ تعُدُّ هذا من النوادر المضْحكة لا من المسائل العلمية! إذا تقرَّر هذا فلا يُنكِر القاضي العزّي عافاه الله أني لم أدَّع الإجماع على ما حرَّرتُه في المسألة حتى يرد عليّ ما أورَده من النقول عن أولئك الأعلام وكيف يدّعي ذلك في مسألة الماء التي هي محلُّ النزاع وهذا الإمام الأكبر المهديُّ لدين الله رضي الله عنه يقول في بحره الزخّار (٢) ما لفظُه:

فصلٌ: ومن احتفر بئرًا أو نهرًا فهو أحقُّ بمائه إجماعًا (٣) فرع (ع ط م قين ك) (٤) فهو حقٌّ لا مُلْكٌ فليس له منعُ فضْلتِه، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "الناس شركاء في ثلاثة" (٥) الخبر بعض (ها) (٦) بل ملك لكن عليه بذلُ الفضْلة للماشية. والكلأ لينبت والوضوء والغسل [٢] وإزالة نجاسةِ الثياب وغيرها، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "من منع فضْلَ الماء إلخ" (٧) ثم قال في موضع آخرَ (٨): مسألة: والماءُ على أضرب حق إجماعًا كالأنهار غير المستخْرَجة والسيول وملك إجماعًا ماء يحرز في الجرار (٩)، ومُختلفٌ فيه كماء الآبار والعيونِ والقناة المحتفرةِ في الملك (م ع ط قين) (١٠) حق لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "الناس شركاء في ثلاثة" (١١) ولم يفصّل إلا ما خصه الإجماعُ كماء الجرار فمن أخذ منه شيئًا ملَكه لكن يأثم الداخلُ بغير رضاه إذا العرصة ملكُه (قم ي بعصش) (١٢) بل ملكه لكونه في ملكه كماء الجرة.

قلنا: ماء الجرة نقل وإحراز لا هذا فأشبه السيول انتهى.

ثم قال مسألة: وأما البِرَاكُ التي تُحفَر في المُلْك أو يجر إليها ماء مباح فماؤُها حقٌّ لكن


(١) إنْ كان دليله الإجماع فإنَّ الاعتراض عليه من ثلاثة أوجه:
١ - أن يطالب بظهور القول لكل مجتهد من الصحابة.
٢ - أن يبين ظهور خلاف بعض الصحابة.
٣ - أن يعترض على قول المجمعين، إن لم يكونوا صرحوا بالحكم بمثل ما يعترض على لفظ السُّنة "الفقيه والمتفقه" (٢/ ٩٠ - ٩٤).
(٢) (٣/ ٩٩ - ١٠٠).
(٣) في "البحر" وإن بعدت منه أراضيه وتسط غيرها.
(٤) ع: أبو العباس، ط: أبو طالب، م: المؤيد بالله. قين: الحنفية والشافعية. ك: مالك.
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) ها: الهادي.
(٧) تقدم تخريجه.
(٨) (٣/ ١٠٢).
(٩) ونحوها (ي) فإن كان يكال أو يوزن في الجهة فمثلي وإلا فقيمي. (ي): الإمام يحيى.
(١٠) انظر التعليقة رقم (٢) في هذه الصفحة.
(١١) تقدم تخريجه.
(١٢) قم: أحد قولي أبي طالب. ي: الإمام يحيى. بعصش: بعض أصحاب الشافعي.