للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الطريقةُ الخامسة: فلا مِرْيَةَ أن جَلْبَ مصلحةِ الأموال السافلة لا يتمُّ إلاَّ بتفويتِ ماكان من المصلحة لأهل الأموال العاليةِ الحاصلةِ بعدم دخولِ الماء.

وأما الطريقةُ السادسة: فلا نشكُّ أن تكليفَ أهل الأموالِ العالية برفعِ الماء عن أهل الأموال السافلةِ من باب تحصيل مصلحةٍ خالصةٍ، وذلك لا يجبُ على فرض عدم حصول مفسدة، ولا فوات مصلحةٍ، لأنَّ تحصيلَ المصحلة للغير لا يجبُ ابتداءً، ولا سيما [٣ب] إذا كان فواتها ليس بفعل أحدٍ من المكلَّفين بل من فعل الله ـ سبحانه ـ.

وأما الطريقةُ السابعة: فلا شكَّ أن رفعَ الماء عن الأموال السافلة دفعُ مفسدة عن أهلها، وذلك لا يجبُ على فرض عدم المعارضة بحصول مفسدةٍ أخرى، ولا فواتِ مصلحة لا يقالُ: يجبُ من باب إنكار المنكر، لأنا نقولُ: ليس انصبابُ هذا الماء إلى تلك الأموالِ منكرًا، إذ ليس من فعل المكلَّفين، بل من فعل الله ـ سبحانه ـ.

وأما الطريقةُ الثامنةُ: فلا ريبَ أن انصباب هذا الماء الذي ضاقتْ عنه الأرضُ، وضاق به ذَرْعُ أهلِها هو من الأمور الغالبة، على أنَّا لو فرضنا أن أهل الأملاكِ العالية يفتحون مداخل الماء إلى أملاكهم لما انقطعَ عن عن أهل الأملاك السافلة، إلاَّ ريثَما تضيقُ به الأملاكُ العالية، وتعجزُ عن قَبُولهِ، ثم ينزلُ إلى أهل الأملاك السافلة، فحينئذ لا يفيدُ فتحُ مداخل الأملاك العالية إلاَّ مجرَّد فسادها مع فساد الأملاك السافلة [٤أ]، فكان في إيجاب ذلك على أهل الأموال العالية ضمُّ مفسدة إلى مفسدة، وتشفيعُ ضررٍ بضرر، وجَلْبُ مصيبة إلى مصيبة، وهذا ما لا يفعله عاقلٌ فضلاً عن عالِمٍ؛ إذ هو منافٍ للعقل والنقلِ، وهو أيضًا من تكليف ما لا يُطاقُ. وقد اتفقَ أهلُ الحق على أن الله لم يكلِّف به أحدًا، وهو نصُّ القرآن (١). وما روي من .........................


(١) قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].
وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: ٧].
وقال سبحانه: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦].