للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلاف (١) فيه لأبي الحسن الأشعري، وثلةٍ معه فلم يقل أحدٌ منه بأن التكليف به واقعٌ، بل قالوا: يجوز ولا يقعُ، وحينئذٍ فالتكليفُ بما لا يُطاقُ لا يقعُ اتفاقًا، ومسألة النزاع من هذا القبيل، لأن المفروضَِ أن فَتْحَ المداخل إلى الأملاك العالية لا يصرفُه عن الأملاك السافلة إلاَّ وقتًا يسيرًا ثم يعود منصبًّا إلى الأملا السافلة، وهذه الطرقة التي ذكرناها وهي كونه من تكليفِ ما لا يطاق طريقةٌ منضمة إلى تلك الطرق [٤ب] الثماني، فتكون الطرقُ تسعًا. فيا لله ذرُّ حكمٍ وقع الإجماع عليه من جميع طوائف المسلمين من طرق تسعٍ، وهي التي أمكن خطورها بالبال حالَ تحرير هذه الأحرف، فكيف لو حصل التتبعُ الكامل، والاستقراءُ التام! ويا للعجب كيفَ يقال يسوغُ الحكمُ على أهل الأملاك العالية بصرف الماء عن أهل الأملاك السافلة! مع كونه الأمر كما ذكرناه سابقًا، وهل هذا إلاَّ مخالفةٌ لقواعدَ شرعيةٍ قطعيةٍ أصوليةٍ إجماعيةٍ! وكيف يسعُ المسلمُ أن يقتحمَ مخالفةَ إجماع المسلمين المنقولِ من طريقة واحدة فضلاً عن المنقول من طرق عدَّة! وهل يوقعُ نفسَه في ذلك مَنْ يعلمُ بما في مخالفة الإجماع من الخطر، وأنه من أسباب ردِّ الحكم وبطلانه، وأن المخالفةَ للقواعد القطعيةِ فيها من الخطر ما هو معروفٌ! فما حال من جَمَعَ بين مخالفة الإجماعاتِ والقطعياتِ والقواعدِ [٥أ] اليقينياتِ! فإن هذا لا ريبَ أنه ممن جمع بين فُقْدانِ العقل والعلم؛ إذ لو كان معه أحدُهما لاهتدى بنوره لما تقدم من أن تلك القواعدَ التي عددناها معلومةٌ عقلاً وشرعًا.

نعم. ذكر بعضُ أهل العلم والصلاح أن بعضَ العلماء المتأخرينَ قد صرح بما يفيدُ أنه يجب في مثلِ المسألةِ التي ذكرناها على أهل الأملاكِ العاليةِ أن يصرِفوا الماءَ المذكور عن


(١) أن شرط الفعل الذي وقع التكليف به أن يكون ممكنًا. فلا يجوز التكليف بالمستحيل عند الجمهور وهو الحق وسواء كان مستحيلاً بالنظر إلى ذاته أو بالنظر إلى امتناع تعلّق قدرة المكلف به.
- وقال جمهور الأشاعرة بالجواز مطلقًا، وقال جماعة منهم إنَّه ممتنع في الممتنع لذاته جائزٌ في الممتنع لامتناع تطلّق قدرة المكلف به.
انظر: "نهاية السول" (١/ ٣١٥) "روضة الناظر" (١/ ٢٢٠) "الإحكام" للآمدي (١/ ١٨١).