البحثينِ المنقولين من الكتاب المذكور، وبين المسألة التي نحن بصددها ما بين السماء والأرض، فإن كنت ممن يستغني بفهمه لم تحتجْ إلى إيضاح التفاوتِ، وإن كنت محتاجًا إلى الإيضاح [٦ب].
فاعلم ـ أرشدني الله وإياك ـ أن المسألةَ الأ, لى المنقولَة من الكتاب المذكور قد صرَّح فيها أن سببَ انصبابِ الماء إلى الأملاك السافلةِ هو خرابُ الأرض العالية كما تراه صريحًا في كلامه، ولا شك أنه يجبُ عليه إصلاحُ أرضِه إذا كان خرابها سببًا لعدم انتفاعِ مَنْ تحتَه، وقد ذكروا لذلك نظائِرَ:
منها: المسألة التي أشار إليها ـ رحمه الله ـ وهي مسألة الجدارِ المائلِ.
ومنها: قولُهم: أنه يجبُ على صاحب السُّفلِ من الأبنيةِ أن يُصْلِحَ مُلْكَهُ لينتفعَ ربُّ العُلُوِّ، وغيرُ ذلك. وهذا شيءٌ آخر غيرُ ما نحن بصدده؛ إذ المفروضُ فيما نحن بصدده أنه لم يكن لصاحب الأموالِ العاليةِ سببٌ يوجبُ انصبابَ الماء إلى ملك أهل الأموال السافلة، بل دَفَعَ عن نفسه الضَّرَر فسدَّ المداخلَ، لئلا يدخلَ من الماء ما يفسدُ أرضَه بخلاف هذه المسألةِ التي ذكرها صاحب المقصد، فغنه كان السببُ للإضرارِ بأهل الأموال السافلةِ خرابَ الأموالِ العاليةِ، وذلك سببٌ ظاهرٌ [٧أ]، وإصلاحُهُ يعود على صاحبه بفائدة، وهي مصير أرضه صالحةً سالمةً من الخراب، بخلاف المسألةِ التي نحن بصددها، فإنه لا سببَ منه كما تقدَّم، وفَتْحُ المداخل للماء إلى أرضه يوجب فساد أرضه لإصلاحها، فكم الفرق بين من يقول لصاحب الأملاك العالية يُصْلِحُ أرضَه بالعمارة، ليندفعَ الضررُ الذي كان بسببه، وبين من يقول لصاحب الأرض العاليةِ يفسدُ أرضَه بإدخال ما لا يحتاجُ إليه من الماء، ليندفعَ الضَّررُ عن أهل السافلة الذي لم يكن له فيه سببٌ.
والحاصلُ أن المسألة التي نحن بصددها لا سببٌ ولا إصلاحٌ بل إفسادٌ. والمسألة التي ذكرها ابنُ حابس وُجِدَ الإصلاحُ وفُقِدَ. فانظرْ كم بين المسألتين من التفاوت، بل التقابل، فإن أحدَهما فيها الأمرُ بالغصلاح لدفع الإفسادِ، الذي وُجِدَ