للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا كان ثابتًا في الدور المتلاصقةِ، بل والمتباعدةِ، فكيف لا يكون ثابتًا بين الساكنينَ في دار واحدة، أو المالكين لحديقة واحدة! فحقٌ على الحاكم أن يرفعَ الضِّرار الحادث بينَهم فإن أمكن بغير إجبارٍ على البيعِ ونحوِه فعلَه، وغن لم يمكن إلاَّ به أرشدَ كلَّ واحد منهما إلى أن يبيعَ من صاحبِه، أو يناقله [٢ب]، أو يهبَ له، أو يبيعانِ من آخر، فإنْ أجابا إلى ذلك فذاك، وإن لم تقع الإجابةُ أخبرَهما على أمر يرتفع به بينهما الضرار من بيع أو غيره، وعليه أن يمعن النظر في الدفع بوجهٍ أيسر مُؤنة، وأخف مشقة حسبما يقتضيه الحالُ باديًا بالأخفِّ، وإذا كان الضرارُ ناشئًا من أحدهما كان الخطابُ معه والإيجابُ عليه، والحاكم بعد الترافُعِ إليه، والخصومةُ عنده قد لزمه رفعُ الضرارِ الذي نفاه رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ عن المسلمين وردَّه على صاحبه فلو لم يرد من الأدلة إلاَ ما أسلفنا ذِكْرَهُ لكان مسوِّغً للحاكم أن يرفَعه بالبيع ونحوه، بل موجبًا لذلك عليه، فكيف وقد ورد ما هو أخصُّ من ذلك في أحاديثِ الجوازِ، كحديث: "والذي نفسي بيده لا يؤمنُ أحدكم حتى يأمنَ جارُهُ بوائِقَهُ"، وهو في الصحيح (١)، وكذلك حديثُ: "من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر فلا يؤذِ جارَهُ"، وهو أيضًا في الصحيح (٢)، وكذلك حديثُ: "ما زال جبريلُ يوصيني بالجار حتى قلت: إنه سيورِّثُه" (٣) أخرجه أبو داود، والترمذي وحسنه، وفي الباب أحاديثُ (٤) كثيرةٌ أقلُّ


(١) أخرجه البخاري رقم (٦٠١٦) ومسلم رقم (٤٦) وأحمد في "المسند (٢/ ٢٨٨) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٦١٣٦، ٦١٣٨) ومسلم رقم (٤٨) من حديث أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٦٠١٤، ٦٠١٥) ومسلم رقم (٢٦٢٤، ٢٦٢٥) والترمذي رقم (١٩٤٢، ١٩٤٣) وأبو داود رقم (٥١٥١، ٥١٥٢) وابن ماجه رقم (٣٦٧٣، ٣٦٧٤) وابن حبان رقم (٥١٢، ٥١٣) من حديث ابن عمر وعائشة.
(٤) منها ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٦٠١٦) ومسلم رقم (٤٦) من حديث أبي شريح رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن"، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جارُهُ بوائقه".