للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مولاةَ الأنصارِ الراويةَ له عن أبي صِرْمةَ؛ فإنها من رجالِ الحسن، قد حسَّن الترمذيُّ (١) حديثَها، وأخرجَ لها أهل السنن، وقال في التقريب (٢): مقبولةٌ من الرابعة؛ فهذانِ الحديثانِ، وما ورد في معناهما قاضيان بمنع الضرار على العموم من غير فرق بين الجار وغيره. وقد صرح النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في الحديث الأول بنفي الضرار بين الأُمَّةِ، وهذا النفي يدلُّ على أن الضَّرَر والضِّرار ليسا من شأن هذه الأمةِ، ولا هما مما شرعهُ الله لهم، فكان علينا دفعُه وإبطالُه، ومحوُ أثرِه، والضربُ به فيه وجه فاعله بأي وجهٍ كان، وعلى أي صفةٍ وقع، فإذا وجدنا أحدَ الرجلين المتجاورينِ، أو غيرَ المتجاورينِ قد ضارَّ الآخَرَ بوجه من وجوه المضارَّةِ أمرْنا برفع ما أحدثَهُ قائلينَ له: هذا ليس من أمرِ رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ، ولا من شرعهِ، وكل أمرٍ ليس من أمره، ولا من شَرْعِهِ ردٌّ على فاعله. فهذا ردٌ عليكَ لأنه ضرارٌ، ولا ضرار في الإسلام. وقد ثبت في الصحيح ثبوتًا لا يختلفُ المسلمونَ فيه عن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "كل أمرٍ ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ" (٣).

فإذاكان الضرار حادثًا بين الشركاء بنفس الاشتراك نحو: أن يموتَ رجلٌ فيتركَ دارًا بين ورثتِه فيقتسمونَها، ويكونُ نصيبُ كلِّ واحد منهم يسيرًا على وجه يحصلُ بينَه وبين الشركاءِ الضرارُ، إما بالاطلاع على عورات بعضِهم بعضًا، أو بحدوث عداوةٍ بينهم لا يمكنُ دفعُها ما بقوا في تلك الدارِ أو بالتزاحُمِ في المشاعاتِ التي لا يستغني عنها كلّث واحد منهم، كالمُسْتَرَاحِ، والمطبخِ، والطريق.

فاعلم أن هذا مع كونه ضِرارًا ممنوعًا بما تقدَّم هو أيضًا ضرارٌ بين الجيرانِ؛ فإن الجوارَ


(١) في "السنن" (٤/ ٣٣٢) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(٢) رقم (٨٦٧٧).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٨/ ١٧١٨) من حديث عائشة.
وأخرجه البخاري رقم (٢٦٩٧) ومسلم رقم (١٧١٨) وأبو داود رقم (٤٦٠٦) وابن ماجه رقم (١٤) من حديث عائشة رضي الله عنها "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس في فهو ردٌّ".