للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد نقلَ بعضُ أهل العلمِ أنه مات عن ثلاثٍ (١) وسبعينَ سنةً، فيكون ملوده على هذا سنةَ تسعٍ وثلاثينَ، فهو عند موتِ سمرةَ [٣أ] في عشرينَ سنةً، وهذا سِنُّ الطلبِ، ووقتُ التحصيلِ، بل لو كان عند موتِ سمرةَ في سبعٍ أو ثمان سنينَ لم يتعذّر معه السماع. وقد سمع (٢) من جماعة من الصحابة، كجابرٍ، وابن عمرَ، وأبي سعيد. فذهب إعلال الحديثِ بتلكَ العلَّةِ وكان صحيحًا.

هذا إذا صح ما نقله ذلكا لبعض أن عُمْرَهُ ثلاثٌ وسبعونَ، فإن لم يصحَّ وكان عمرهُ دون ذلك، فقد أخرج المحبُّ الطبريُّ في أحاديث الأحكام عن واسعِ بن حِبَّانَ قال: كان لأبي لُبابَةَ عِذْقٌ في حائط رجلٍ، فكلَّمه فقال: إنك تطأُ حائطي إلى عِذْقِكَ، فإما أن أعطيك مثلَه في حائطكَ، وأخرِجْهُ عني، فأبي فكلَّم النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فقال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "يا أبا لبابةَ خذْ مثلَ عِذْقِكَ فَحُزْها إلى مالكَ، وكُفَّ عن صاحبِك بما يكره" فقال: ما أنا بفاعلٍ قال: "فاذهبْ فأخرجْ له مثلَ عِذْقِهِ إلى حائطِه، ثم اضرب فوق ذلك بجدارٍ، فإنه لا ضرر في الإسلام ولا ضرار" هكذا ساقه المحبُّ، وعزاه إلى أبي داودَ، فيُنْظَرُ، فإن لم أجدْه.

وهذا الحديثُ يعضِّدُ الحديثَ الأولَ ويقوِّيه، ويتبينُ به أنَّ هذه الحكومةَ منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ليست بخاصَّةٍ لرجل دون رجل، أو في قصةٍ دون قصةٍ، بل لو لم يردْ إلاَّ حديثُ سمرةَ لم يكن خاصًّا، لأن العلَّة التي ربطها به لا تختصُّ بفردٍ دون فرد من الأمة، وهي قوله: "أنت مُضارّ"، على أنه لو لم يرد حديثُ سمرةَ، ولا حديثُ واسعِ بن حبّان لكان فيما ذكرنا من منع الضرار ما يغني عن ذلك، فانظر معاوضةٌ لا نقصَ فيها ولا غبنَ، فلما أبى أخبرَهُ بأنه مُضارّ، وعاقبه بإتلاف مالِه، وسوَّغ لخصمه قطع نخله. ومن اقتدى برسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في مثل هذه الحكومة فقد


(١) ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (٩/ ٣١٢).
(٢) ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (٩/ ٣١٢).