للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاء بالشرع، واتبع الهدي المصطفويّ، وحكمَ بسُنَّةِ رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ، وأخذ الحقَّ مع معدنِه، واغترفَ الصوابَ من منبعِه؛ فالشريكان في الأرض أو الدار إذا كان يحصل باجتماعِهما ضرارٌ عليهما، أو على أحدهما، ولا محالة بوجهٍ من الوجوه المتقدِّمة كان على القاضي أن يعرض على كل منهما ما عرضَه رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ على مسرةَ وأبي لبابةَ، فإنْ قَبِلَهُ فذاكَ، وإن أبى عاقبه بمثل العقوبة التي فعلها رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ إذا كان الاشتراك في الحوائط ونحوها، أو بما يماثلُها إن كان الاشتراك في الدور ونحوِها، فإن مجرَّد الامتناع عن القبول يصيره به الممتنع مُضارًا كما قال رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ.

وأقلُّ أحوال العقوبةِ إجبارُهُ على البيع أو المناقلةِ؛ فإن ذلك معاوضةً ليس على فاعلها [٣ب] ظلامةٌ ولا غرامةٌ، فإنه يأخذُ مثلَ ما يملِكُه أو قيمتَه. وإذا أمكنَ القاضي العارفُ بالمسالك الشرعية أن يدفع ما بين الشريكين من الضرارِ بنوعٍ من أنواع السياسةِ الشرعيةِ فعلَ ذلك، فقد فعلَه رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ كما أخرجه أبو داودَ (١) من حديث أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يشكو جارَه فقال: "اذهب فاصبر" فأتاه مرتين أو ثلاثًا فقال: "اذهب فاطْرَحْ متاعَك في الطريق" فطرحَ متاعَه في الطريق، فجعل الناس سيألونَه فيخبرُهم خبَرهُ، فجعل الناس يلعنونَه: فعلَ الله به وفعلَ، فجاء إليه جارُه فقال: ارجعْ لا ترى منِّي شيئًا تكرهُهُ.

هذا إذا كان الضرار موجودًا بنفسِ الاشتراكِ كالدارِ الضيقةِ، والأرض التي لا يمكن


(١) في "السنن" رقم (٥١٥٣).
قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (٥٢١) والحاكم (٤/ ١٦٠) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (١٢٤). وهو حديث حسن.