قال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: ٢١]. وقال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨]. والرَّهن في الشرع: المال الذي يجعل وثيقة بالدّين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممَّن هو عليه حائر بالكتاب والسنة والإجماع. في الكتاب: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣]. أمّا السنة: ستأتي الأحاديث خلال الرسالة. أمّا الإجماع: أجمع المسلمون على جواز الرهن بالجملة. انظر: "المغني" (٦/ ٤٤٤). الرّهن لا يخلو من ثلاثة أحوال: ١ - أن يقع بعد الحقِّ فيصحُّ بالإجماع. لأنَّه دين ثابتٌ تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به فجاز أخذها به كالضمان ولأن الله سبحانه قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فجعله بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلها، ومحلها بعد وجوب الحقّ وفي الآية ما يدلُّ على ذلك وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} فجعله جزاء للمداينة مذكورًا بعدها بفاء التعقيب. ٢ - أن يقع الرهن مع العقد الموجب للدين، فيقول: بعتك ثوبي هذا بعشرة إلى شهر، ترهنني بها عبدك سعدًا. فيقول: قبلت ذلك. فيصح أيضًا، وبه قال مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، لأنَّ الحاجة داعيةٌ إلى ثبوته، فإنّه لو لم يعقده مع ثبوت الحقِّ ويشترط فيه لم يتمكن من إلزام المشتري عقده، وكانت الخيرةُ إلى المشتري، والظّاهر أنَّه يبذله، فتفوت الوثيقة بالحقِّ. ٣ - أنْ يرهنه قبل الحقِّ، فيقول: رهنتك عبدي هذا بعشرة تقرضنيها. فلا يصح في ظاهر المذهب، وهو اختيار أبي بكر والقاضي وذكر القاضي: أن أ؛ مد نص عليه في رواية ابن منصور. وهو مذهب الشافعي، واختار أبو الخطّاب أنّه يصح. فمتى قال: رهنتك ثوبي هذا بعشرة تقرضنيها غدًا، وسلَّمه إليه، ثم أقرضه الدراهم لزم الرّهن. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، لأنّه وثيقة بحقِّ، فجاز عقدها قبل وجوبه، كالضَّمان، أو فجاز انعقادها على شيء يحدث في المستقبل. قال ابن قدامة: ولنا أنَّه وثيقةٌ بحقٍّ لا يلزمُ قبله فلم تصح قبله كالشَّهادة، ولأنّ الرهن تابعٌ للحقِّ، فلا يسبقه، كالشهادة والثمن لا يتقدم على البيع، وأمَّا الضمان فيحتمل أن يمنع صحّتُهُ، وإنْ سلمنا فالفرق بينهما أنَّ الضّمان التزام مالٍ تبرُّعًا بالقول، فجاز من غير حقِّ ثابت، كالنَّذْرِ، بخلاف الرّهن.