للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحبُه على تخليصه، والمعنى أنه لا يستحُّه المرتهن إذا لم يستفِكُّهُ صاحبُه، وكان هذا من فعل الجاهليةِ أن الراهنَ إذا لم يؤدِّ ما عليه في الوقت المعيَّنِ ملكَ المرتهنُ الرَّهنَ، فأبطله الإسلامُ. انتهى.

فإذا كان هذا حُكمُ الرهنِ الذي يرهنُه مالكُه في دين عليه، فكيفَ إذا لم يكنِ الرهنُ ملكًا للراهِن! بل كان مستأجرًا له، أو مستعيرًا! فإنه لا وجْهَ يقتضي غلاقَهُ، ويسوغُ إخراجَهُ عن ملك مالكهِ (١).

فإن قلت: قد ذكرتَ سابقًا أنَّه ثبت شرعًا ما يدلُّ على أن الحاكمَ يقضي دينَ المديون من ملكهِ الذي هو باقٍ تحتَ يده لم يخرجْ عنه إلى يد مَنْ له الدَّيْنُ كما وقع منه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في قصَّة معاذ بن جبل، فكيف لا يجوزُ للحاكم أني قضيَ دينَ المديون من عينٍ قد سُلِّطَ صاحبُ الدين عليها بالرهن، وجعلها محبوسة في يده!.

قلت: هذا يتمُّ في الرهن المملوكِ للراهن الذي عليه الدينُ، ويكون ذلك مخصِّصًا لحديث: لا يغلقُ الرهنُ، لأنَّه عامٌّ؛ إذِ الفعلُ يتضمَّنُ النكرةَ، فهو في قوة الإغلاقِ للرهن، والنكرةُ في سياق النفي من صيغ العمومِ (٢)، فيكون بيعُ الرهن للقضاء مخصَّصًا بهذا العموم، وصورة التخصيصِ.

أما الإعسارُ من الراهن، أو مطالبةُ الغرماءِ تضييقُهم كما وقع في قصة معاذٍ (٣)، وأما إذا كان الرهن غيرَ مملوكٍ، بل مُسْتَأْجَرٌ، أو مستعارٌ، فلا وجْهَ لإخراجه عن ملك مالكه بحال من الأحوال، بل غايةُ ما هناك أنه يبقَى محبوسًا حتى يتمكَّن الراهنُ من القضاء، أو يتمكنَ صاحبُ العين من استخلاصِها بتسليم الدَّيْنِ.

وفي هذا المقدار كفايةٌ لمن له هدايةٌ. والله ولي التوفيق. بقلم المجيب محمدٍ الشوكاني ـ غفر الله له ـ.


(١) انظر "المغني" (٨/ ٤٥٠ - ٤٥٨).
(٢) تقدم توضيح ذلك.
(٣) تقدم تخريجه.