للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم ميراثًا من مورِّثهم، وهم الحارثونَ لها، العاملون فيها جميعًا، أو كانوا يعملون أعمالاً مع غيرهم، فيجتمعُ لهم مالٌ يكتسبون به مكتسباتٍ، ويتنازعونَ فيها بعد ذلك. فيقولُ بعضُهم: إنه يريدُ أن يكون قسمةُ المكتسباتِ على قَدْرِ أنصباءِ الميراثِ إن كانت من غلّة الأموال الموروثة، أو على قَدْرِ السعي والعملِ إن كانت حاصلةً بالسعي والعمل، فيقولُ الآخرُ: يُقْسَمُ على السويَّةِ بلا تفضيلٍ للبعض على البعض، فهذا معنى الشركة العُرفية.

وموجبُ كلام المتأخرين من أهل العلم على أبحاثها، وليست في أحد الشرك المدوّنة في كتب الفقه حتى يرد ما ورد من الخصومات المتعلقة بها إليها.

قال شارح المسائل المرتضاة ناقلاً عن القاضي العلامة عبد الله بن يحيى الناظري (١)، ولفظُهُ: إذا كان جماعةٌ إخوةٌ أو غَيْرُهم مشتركينَ في الأعمالِ فكان بعضُهم يعمل المالُ، وبعضهم يخدمُ البقرَ، ويعلِفُهنَّ، وبعضهم لحوائج البيت وإصلاحه، وبعضُهم للبيع والشراء في الأسواق، فكلُّ واحد منهم لم ينتظم الحالُ في عمله إلاَّ بكافيه الآخرِ له في العلمِ، فإذا كان كذلك فهذه شركةُ أبدان، فكلُّ ما حصلَ من الصالح مع كلِّ واحد مشتركٌ بينَهم الجميعُ لا فضلَ لأحدٍ منهم [١ب] على أحدٍ، لأن ذلك حكمُ شركةِ الأبدان انتهى.

أقولُ: قوله أولاً: فهذه شركةُ أبدانٍ (٢)، ثم قولُه ثانيًا: إن ذلكَ حكمُ شركة الأبدانِ


(١) عبد الله بن يحيى بن محمد الناظريم الظفيري اليمني، عالم فقيه كان من أصحاب الإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي.
من مؤلفاته: - "شرح الكافية" لابن الحاجب. -
" شرح المفتاح ".
انظر: "أعلام المؤلفين الزيدية" رقم (٦٤٩).
"أئمة اليمن" (١/ ٣٨٢).
(٢) شركة الأبدان: أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم كالصناع ويشتركون على أن يعملوا في صناعتهم. فما رزق الله فهو بينهم وإن اشتركوا فيما يكتسبون من المباح. كالحطب، والحشيش، والثمار المأخوذة من الجبال والمعادن فهذا جائز نص عليه أحمد وفي رواية أبي طالب فقال: لا بأس أن يشترك القوم بأبدانهم، وليس لهم مال، مثل الصيَّادين والنَّقالين والحمَّالين.
وقال الماوردي في "الحاوي" (٨/ ١٦٤): شركة الأبدان: وهو أن يشترك صانعان ليعملا بأبدانهما ويشتركان في كسبهما، فهذه شركة باطلة.
وقال مالك: تجوز إذاكانا متفقي الصنعة، ولا تجوز إذا كان مختلفي الصنعة.
قال أبو حنيفة: تجوز مع اتفاق الصنعة واختلافها، ولا تجوز في الأعيان المستفادة بالعمل كالاصطياد والاحتطاب.
وقال أحمد: تجوز في كل ذلك، كما تقدم.
انظر: "الأم" (٧/ ٢٨٦)، "المغني" (٧/ ١١٠).
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوي" (٣٠/ ٧٣، ٩٩): شركة الأبدان وتسمى (شركة الصنائع) و (شركة التقبل) وهي أن يتفق شخصان أو أكثر على تقبل الأعمال وعملها والأجر بينهم على ما شرطوا.
أنواعها: شركة الأبدان نوعين:
١ - أن يكون الاشتراك فيما يتقبلانه من العمل في ذمتهما كالنجارين والخياطين الذين تقدر أجرتهم بالعمل لا بالزمن ـ وهو الأجير العام ـ ولا فرق بين أن تكون هذه الشركة في تقبل الأعمال بأجر كالنجارين ونحوهم أو في تحصيل المباحات كالاشتراك في الاحتطاب والاصطياد بحيث يخلط ما اصطاداه ثم يقتسمانه على ما شرطا.
وكل واحد من الشريكين يتصرف لنفسه بحكم الملك ولشريكه بالوكالة فما عقده من العقود عقد لنفسه ولشريكه وما قبضه قبضه لنفسه ولشريكه.
٢ - أن يكون الاشتراك فيما يؤجران فيه بأبدانهما ودابتيهما، ويكون الأجر مقدرًا بالزمن لا بالعمل، وهو الأجير الخاص.
٣ - توزيع عائداتها: مطلق عقد الشركة يعني المساواة في الأجر والعمل فإن عمل أحدهم أكثر جاز له أن يطالب بقية الشركاء بأجر ما زاد من علمه وإن اشترط أحدهم أن تكون له زيادة عنهم في الأجر جاز. انظر: "مجموع الفتاوى" (٣٠/ ٧٤، ٨١، ٩٩).