للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليسَ على ما ينبغي؛ فإن الأول يفيد أن هذه الشركة شركةُ أبدان، والثاني يفيد أنها غيرها، ولكنها مُلْحَقَةٌ بها قياسًا، والكلُّ ممنوعٌ، أما كونها عينَ شركة الأبدان فلا شك في بطلانه، فإن هذا المتكلم إنما تكلم على مقتضى ما ذكره أصحابنا في الفروع، وهم مصرِّحون بأن شركة الأبدان ماهيتُها: وقوعُ التوكيل من كلِّ من الصانعين للآخر أن يتقبَّل ويعمل عنه في قدر معلومٍ مما استُؤجِر عليه مع تعيين الصنعةِ، وصرَّحوا بأن هذه الشركة هي من باب الوكالةِ (١).

فتقرر بهذا أنَّ الشركة العرفية ليست عين شركة الأبدان، بل لا يصح قياسُها، لوجود الفارق، فضلا عن أن يكون عينَها، ثم ما حَكَمَ به آخرًا من أنَّ لكلِّ واحدٍ من المصالِح مثلُ الآخرِ لا يفضلُ أحدٌ على أحد، وتصريحُهُ بأن ذلك حكمُ شركةِ الأبدانِ مخالفٌ لما قرروهُ في شركة الأبدان كما عرفتَ؛ فإن الرِّبْحَ فيها على قَدَرِ الثقيل كما هو مصرَّحٌ به، ومع هذا فقد قرَّرَ المتأخرونَ كلام الناظري هذا، وعملوا عليه، فإنه قال شيخ مشايخنا العلامةُ الحسنُ بن أحمد الشبيبي ـ رحمه الله ـ: أنَّ المختارَ كلامُ العرف، وهو الذي جرت له فتاوى مولانا المتوكِّل على الله، وبه عملَ المتأخرون، فما كسبه أحدُ الشركاء فهو للجميعِ وعلى الجميعِ، ولو أضافه إلى نفسه. هكذا قال: وهو الذي يختاره شيوخُ المذهبِ الموجودونَ في عصرِنا الآنَ، فانظر كيف وقعَ العملُ على كلام الناظري، وأطبقَ عليه المتأخرونَ مع أنَّه لم يقلْ ذلك اجتهادًا، بل قاله زاعمًا أنَّ الشركة العرفية هي شركةُ أبدان، أو كشركة الأبدان.

وقد تقرَّر أنها ليست بشركة أبدان، لا في الماهية، ولا في اللوازم. ثم لو فُرِضَ أنها شركة أبدان لم يكن للجزم بالاستواء وَجْهٌ، فإنَّ شركة الأبدان كما عرَّفناك الرِّبْحُ (٢) فيها


(١) انظر التعليقة السابقة.
(٢) قال ابن قدامة في "المغي" (٧/ ١١٣) والرِّبح في شركة الأبدان علىما اتفقوا عليه، من مساواةٍ أو تفاضل، لأنَّ العمل يستحقُّ به الربح، ويجوز تفاضلهما في العمل، فجاز تفاضلهما في الرِّبح الحاصل به ولكلِّ واحدٍ منهما المطالبة بالأجرة، وللمستأجر دفعُها إلى كل واحدٍ منهما وإلى أيهما دفعها برئ منها".