للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينفعُكَ ولا يضرُّنا؛ فإن شركَة المفاوضةِ (١) قد حصلَ فيه التراضي المسوِّغُ للاشتراك في


(١) سمي هذا النوع من الشركة مفاوضة لاعتبار المساواة في رأس المال والربح وفي القدرة على التصرف وغيرها.
وقيل: لأنَّها شركة عامة في جميع التجارات، يفوض كل واحد من الشريكين أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق.
وقيل: هي من التفويض لأن كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه على كل حال في غيبته وحضوره.
وقال المالكية والشافعية: سميت مفاوضة من تفاوض الرجلان في الحديث شرعا فيه جميعًا.
وفي الاصطلاح: أن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يشتركا في عمل بشرط أن يكونا متساويين في رأس مالهما وتصرفهما ودينهما أي (ملتهما) ويكون كل واحد منهما كفيلاً عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع، أي أن كل شريك ملزم بما ألزم شريكه الآخر من حقوق ما يتجران فيه، وما يجب لكل واحد منهما يجب للآخر، أي أنهما متضامنان في الحقوق والواجبات المتعلقة بما يتاجران فيه ويكون كل واحد منهما فيما يجب لصاحبه بمنزلة الوكيل له وفيما يجب عليه بمنزلة الكفيل عنه.
فهما يتساويان في رأس المال وفي الربح، فلا يصح أن يكون أ؛ دهما أكثر مالاً من الآخر، كأن يملك أحدهما ألف دينار والآخر خمس مئة ولو لم يكن المبلغ مستعملاً في التجارة، أي أنّه لا يجوز أن يبقيا شيئًا من جنس مال الشركة إلا ويدخلانه في الشركة، ويشترط التساوي في التصرف فلا تصح بين صبي وبالغ ولا بين مسلم وكافر.
ولا يصح أن يكون تصرف أحدهما أكثر من تصرف الآخر.
فإذا تحققت المساواة الكاملة انعقدت الشركة، وكان كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه وكفيلاً عنه يطالب بما يعقده صاحبه، ويسأل عن جميع تصرفاته.
فإذا اختل شرط من هذه الشروط، أو تملك أحد الشريكين مالاً يصلح أن يكون رأس مال لشركة العقد، تحولت الشركة إلى شركة عنان، لعدم تحقق المساواة.
وعلى هذا فإن هذه الشركة تتطلب الاشتراك بين الشريكين في كل مالهما من الحقوق كإرث نقدي وركاز ولقطة، وما عليهما من الواجبات التي يلتزم بها كل واحد من دين بسب التجارة واستقراض وضمان عصب وقيمة متلف وأرش جناية على الدابة أو الثوب مثلاً ونحوها من مغارم الأحوال في قول أبي حنيفة ومحمد. وقد أجاز الحنفية والزيدية هذه الشركة.
- والواقع أن شركة المفاوضة بالمعنى المذكور عند الحنفية غير متيسرة الوجود إن لم تكن متعذرة التحقيق.
- أما المالكية: فأجازوا شركة المفاوضة: وهو أن تعقد الشركة على أن يكون كل شريك مطلق التصرف في رأس المال استقلالا، دون حاجة إلى أخذ رأي شركائه، حاضرين أم غائبين، بيعا وشراء وأخذا وعطاء ....
" وهذا المفهوم شركة المفاوضة عند المالكية لا خلاف فيه عند الفقهاء.
- أما شركة المفاوضة بالمعنى الذي ذكره الحنفية والزيدية، فلا يجيزها الشافعية. والحنابلة وجمهور الفقهاء:
١ - لأنه عقد لم يرد الشرع بمثله.
٢ - لأن تحقق المساواة بالمعنى المطلوب في هذه الشركة أمر عسير.
٣ - لأن فيها غررًا كثيرًا وجهالة لما فيها من الوكالة بالمجهول والكفالة به فلم تصح كبيع الغرر.
قال الشافعي رضي الله عنه: "إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة فلا باطل أعرفه في الدنيا".
"الأم" (٧/ ٢٨٦).
انظر: "المغني" (٧/ ١٢٢ - ١٢٥)، "البدائع" (٦/ ٥٨)، "المبسوط" (١١/ ١٥٣، ١٧٧).