للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التراضي فيها على أن يكونَ أحدُهما وكيلاً للآخرِ يجعلُ له فيما اشترى أو استدانَ حرًا معلومًا، ويتَّجر فيه، والربحُ والخسر فيها يكونان على قدر ما أضيفَ إلى كل واحد منهما من ذلك المال المشترى أو نحوه، وشكرةُ الأبدان قد حصل التراضي أيضًا بين أهلِها. وقد تقدم بيانُ ماهيَّتِها فعرفتَ أن هذه الشِرَكَ الأربعَ الرضى فيها موجودٌ، والمفروض في الشركة العرُرفية عدم وجوده، بل وجود الخصومة فيه.

فإن قلتَ: ما الذي ينبغي أن يُحْمَلَ عليه الحديثُ من هذه الشركة؟

قلت: ينبغي أن يُحْمَلَ على الشركة التي كان الناسُ يتعاملونَ بها في زمن النبوة، وهي شركة العنانِ، بل وقعت من روس الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ كما أخرجه أهل السننِ (١) إلاَّ الترمذيَّ أن السائبَ بنَ أبي السائب كان شريكَ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ في أول الإسلام في التجارةِ، فلما كان يومُ الفتح قال: "مرحبًا بأخي وشريكي، ولا يداري ولا يماري".

وأخرجه أيضًا أبو نعيم في المعرفة (٢)، والطبرانيُّ في الكبير (٣)، والحاكم (٤)، وصحَّحَهُ؛ فإن هذه الشركة وسائر الشرك التي كان يفعلُها الصحابة، بل وأهل الجاهلية قبلهم هي أن يجمع الشريكان ما معهما من النقد، ويجعلاهُ ثمنًا لشيء من أنواع التجارة، على أن يكون الربح بينهما على قَدْرِ المالِ، وقد يقع نادرًا بين الصحابةِ شركةُ الوجوهِ كما


(١) أبو داود في "السنن" رقم (٤٨٣٦) وابن ماجه رقم (٢٢٨٧) والنسائي عزاه إليه المنذري في المختصر (٧/ ١٨٧ رقم ٤٦٦٩).
(٢) "معرفة الصحابة" رقم (٣٤٥٦).
(٣) رقم (٦٦١٨).
(٤) في المستدرك (٢/ ٦١).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وخلاصة القول أن الحديث صحيح والله أعلم.