للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخرجه البخاريُّ (١) من حديث زهرةَ بن معبدٍ عن جدِّه عبدِ الله بن هشام، وكان قد أدرك رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فدعا له بالبركة أنَّ ابنَ عمرَ، وابنَ الزبير كانا يليقيانِه في السوقِ فيقولان له: أشرِكْنا فيما شريتَ؛ فإنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قد دعا لك بالبركة، فيشرِكُهُما، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل.

فإذا عرفت أن الشركة [٦أ] المذكورة في الحديث هي الشركة المعروفة بالعنان في لسان أهل الفقه، لأنها هي الأعمُّ الأغلبُ في شركة العرب لم يكن في ذلك دليلٌ على ما نحن فيه من الشركة العرفية، لأن شركة العنان الربح والخسر فيها على قدر المال، والمستدلُّ بالحديث يقول في الشركة العرفية أنَّ الربح يُقْسَمُ على التسوية من غير تفضيل، وإن كان المال متفاضلاً، بل وإن كان أحدُ الشركاء لا مالَ له إذا قام بعملٍ من الأعمال وإن قلّ، ومما يفيد أن الشركة المذكورة في الحديث هي شركةُ العنان قولُه فيه: فلما كان وقتُ قسمة الربحِ؛ فإنَّه يشعِرُ بأن لقسمة الربح وقتًا معلومًا عندهما، وهذا لا يكون في الشركةِ العرفية إنما يكونُ غالبًا في شركة العنان، ووجهٌ آخرُ أيضا، وهو أن وجود الربح مشعرٌ بوجود رأس مال ينشأ عنه الربح.

فإن قلتَ: إذا كان الأمرُ على ما تقولُه فالربحُ والخسرُ يتبعان المالَ، فما وجه طلب من كان مقيمًا في السوق أن يفضِّلَهُ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ على صاحبه؟

قلتُ: وجههُ أنه لما كان هو العاملُ وحدَه في تحصيل سببِ الربحِ له ولشريكه اعتقدَ أنه يستحقُّ زيادةً بسبب انفراده بالسعي، على أن هاهنا مانعًا من استدلال مَنِ استدلَّ بالحديث المذكور على ما يزعمُهُ من الاستواء في الشركة العرفية، وهو أنّ الحديث قد دلّ على ثبوت الشركة العرفية على فرض صحة حمله عليها، وإن لم يكن لأحدِ الشركاء عملاً أصلاً كما كان الذي هو ملازمٌ للمسجد، وهم يجعلون ماهيَّتها التكافؤ في


(١) في صحيحه رقم (٢٥٠١) و (٢٥٠٢) وطرفه رقم (٧٢١٠، ٦٣٥٣).