للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرجوحة أيضًا على نزاع فيه: ولا شكّ أنّ وجود المانع مستلزمٌ لوجود المفسدة مطلقًا، وإلا لما كان مانعًا.

وإن كان الثاني فالمتوجَّهُ القضاء بالصحةِ لما سلف. لا يقالُ تخصيصُ بعضِ الورثةِ إن لم يكن مانعًا مستقلاً فلا أقلَّ من أن يكون مظنَّةً لوجودِ المانعِ، ومظنَّةُ الشيءِ منزَّلةٌ منزلتَه غالبًا، فكيف صحَّ الجزمُ بعدم المانع في مثل مسألة السؤال، لأنَّا نقول لا نسلِّمُ أنّ ذلك التخصيص كذلك، فإنك لا تشكُّ أنّ من كان له ورثةٌ أغنياء، وورثة فقراء، فخصَّصَ الفقراء بالوقْفِ عليه (١)، وكذلك مَنْ كان له ورثةٌ قادرين على التكسُّب، وغيرُ قادرينَ فخصَّصَ غيرَ القادرينَ بذلك، وكذلك مَنْ كان له ورثةٌ أصِحَّاءُ ومَرْضَى فخصَّصَ المرضَى بذلك، فإنه لا يكون التخصيصُ المذكورُ مُنَافِيًا للقُرْبَة أصلاً، بل ربما كان من أقوى الأدلة الدالةِ عليها، فكيف يكون مانعًا أو مظنةً للمانع، وإن كان الثالثُ فالواجبُ القضاءُ بالصحة لأنّه قد وُجِدَ المقتضي، ولا يصح معارضَتُهُ بالشكِّ في وجود


(١) قال ابن قدامة في "المغني" (٨/ ٢٠٦ - ٢٠٧): " ... لو خصَّ المشتغلين بالعمل من أولاده بوقفه تحريضًا لهم على طلب العلم.
أو ذا الدِّين دون الفُسَّاق. أو المريض، أو من له فضلٌ من أجل فضيلته، فلا بأس.
وقد دلَّ على على صحَّة هذا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، نحل عائشة جِذاذ عشرين وسقًا دون سائر ولده ـ أخرجه مالك في الموطأ (٢/ ٧٥٢)، والبيهقي (٦/ ١٧٠، ١٧٨).
وحديث عمر أنَّه كتب: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به عبد الله أمير المؤمنين، إن حدَثَ به حَدَثٌ، أن ثمغًا وصرمةَ بن الأكوع، والعبد الذي فيه، والمائة سهم النبي بخيبر، ورقيقه الذي فيه، الذي أطعمه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالواد، تليه حفصةُ ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها أن لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم، وذوي القربى لا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقًا منه".
أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (٢٨٧٩) وهو صحيح وجادة قاله الألباني في صحيح أبي داود. وفيه دليل على تخصيص حفصة دون إخوتها وأخواتها.
انظر: "المجموع" (١٦/ ٢٥٠)، "المغني" (٨/ ٢٠٧).